مقدمة المحررين لترجمة كتاب “أفضل 100 كتاب باللغة الإنجليزية” لروبرت مكروم
صدر الكتاب عن “كتب مملة” بالتعاون مع دار هن في نوفمبر عام 2024
بقلم أمير زكي وحسين الحاج
يصعب عليك أن تتوقع الثمار التي ستجنيها حين تضع بذور العمل الجماعي.
تحولت مدونة “كتب مملة” إلى مشروع للنشر الجماعي في النصف الثاني من عام 2018، تلقينا المساهمات التي تنوعت بين الترجمات والمقالات، ثم القصص القصيرة، ونشرنا منها المئات منذ بداية عملنا.
ومع حصولنا على منحة آفاق عام 2019 بدأنا نفكر في تحويل بعض هذه المساهمات إلى كتب منشورة. ونشرنا حتى الآن ثلاثة كتب، المجموعة القصصية المترجمة “رعب هذه المحبة”، و”معزوفة مقلقة” لفرانكو (بيفو) بيراردي وترجمة الأستاذ أحمد حسان، وكتاب “أفضل مئة رواية في اللغة الإنجليزية” للناقد والصحفي الإنجليزي روبرت مكروم، وفي هذا الكتاب الأخير، وبسبب طبيعته (100 مقال منفصل) شارك في الكتاب 46 مترجمًا ومترجمة، وحرره 4 محررين، بالإضافة إلى محرري الكتاب وموقع “كتب مملة” الأساسيين، وكاتبي هذه المقدمة، أمير زكي وحسين الحاج، ونشر في “دار هن” للنشر، مثل العملين الأولين.
وقبل أن نعود إلى مشروع قائمتي روبرت مكروم لا بد أن نذكر صدور كتابين آخرين بدأ نشر أجزاء منهما أيضًا على موقع “كتب مملة” وإن لم يتول مشروعنا النشر، وهما كتاب “الفهامة” لشهاب الخشاب الأستاذ بجامعة أكسفورد، والذي نشر أجزاء كبيرة منه على الموقع، وصدر عن دار ديوان في عام 2022. وثانيهما سلسلة “مايو 1968 للمبتدئين”، وهي سلسلة من المقالات والحوارات الفكرية المترجمة حول انتفاضة مايو 1968 في فرنسا، ترجمها وقدم لها المترجم الكبير أحمد حسان، والتي انبثق عنها مشروع ترجمة كتاب “لغز مايو 68: لنا الحق في التمرد” لآلان باديو الذي نُشِر كاملًا على الموقع، وأصدرته دار صفصافة عام 2021.
بالعودة إلى روبرت مكروم، فقد نشر على موقع الجارديان قائمتين، قائمة أفضل مئة في اللغة الإنجليزية، والتي جمعها في كتاب، ترجمناه ونشرناه سابقًا، ثم قائمة أفضل مئة كتاب (غير قصصي) في اللغة الإنجليزية، الذي جمعه أيضًا في كتاب، وهو الذي ترجمناه ونكتب الآن مقدمته.
في مقدمة الكتاب السابق حكينا قصة ترجمة المقالات المئتين، ونوجزها لمن لم يطلع على الكتاب السابق. بدأت ترجمة المقالات ضمن أعمال ورشة للترجمة بمعهد القاهرة للعلوم والآداب الحرة (سيلاس) بالإسكندرية عام 2019، ساعتها كانت مقالات مكروم فرصة لتنوع الاختيارات بين المترجمين، خاصة أن مقالاته ستحتاج أيضًا إلى مهارة ترجمية خاصة لأنها تستدعي مهارات البحث عن الكتاب الذي اختاره وتحدث عنه في مقالاته، ولكن لم يكن في ذهننا أن نترجم القائمتين كاملتين حتى اقترح ذلك الزميل محمود راضي، المترجم والمساهم بالموقع.
اكتملت القائمة الأولى ونشرناها في بداية عام 2023، وها قد اكتملت القائمة الثانية التي ننشرها في هذا الكتاب. وقد شارك في هذا الكتاب 50 مترجمًا ومترجمة، وشارك في التحرير 8 محررات ومحررين.
بالطبع كتاب يضم هذا العدد من المترجمين والمحررين شهد العديد من التحديات التحريرية، وقد بذلنا ما بوسعنا لتجاوز هذه التحديات، ولكننا حرصنا في الوقت نفسه أن تكون الترجمات جميعها ملكًا لأسلوب أصحابها، فإذا وحدنا المصطلحات وعناوين الكتب وطريقة كتابة أسماء الأعلام بالعربية، إلا أننا حافظنا على أسلوب كل مترجم في مساهمته.
ولنعد لما ذكرناه في بداية مقدمتنا، 58 مساهمًا في كتاب واحد. هذه مسألة نفخر بها كثيرًا، لأنها دليل على أن العمل الثقافي الجماعي ما زال ممكنًا، رغم الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي نمر بها جميعًا، والأهم أن هذا يحدث رغم وجود القناعة الشائعة أن الإنجاز الثقافي إنجاز فردي يحققه كل كاتب ومبدع بشكل منفصل وفي جزيرته المنعزلة.
ولكن من الضروري أن نؤكد أن أهمية هذا الكتاب لا تقتصر على تفرد آلية ترجمته، ولكن أيضًا لأنه يعلمنا الكثير من خلال هذه القائمة والتعليق عليها وسياقات إصدار الكتب المختارة. محتوى الكتاب والأعمال المختارة تطرح علينا وعلى الثقافة العربية العديد من الأسئلة، التي تحتاج منا أن نناقشها وأن نحاول الإجابة عليها.
فمثلًا، خلال بحثنا وجدنا أن 51 كتابًا من المذكورة في القائمة هي المترجمة، فلماذا ترجمنا هذه الكتب وأهملنا الأخرى؟ وأي من هذه الكتب هي المؤثرة على ثقافتنا؟ ولماذا لم تؤثر عليها الكتب الأخرى؟
نرى أن سؤال تأثير الأعمال العظمى في الثقافة الإنجليزية على ثقافتنا العربية هو السؤال المركزي الذي علينا أن نفكر فيه ونحن نقرأ هذا الكتاب. ولكن هذا بالطبع لا يمنع أن نسائل روبرت مكروم نفسه عن سبب اختياره لهذه القائمة، هذه الأعمال المئة على حساب مئات الأعمال الأخرى. ولقد ناقش مكروم نفسه الأمر في مقدمته، ولكن هذا لا يمنع من انتقاده.
أيضًا لاحظنا أن ثمة كتابًا كلاسيكيين وحداثيين لم تترجم كتبهم المرشحة في هذه القائمة إلى العربية، لكن ترجمت عناوين أخرى لهم مثل “الفردوس المفقود” لجون ميلتون و”النار في المرة القادمة” لجيمس بالدوين، وهذا يدل على أهميتهم مثلما يدل على أهمية القائمة ذاتها.
اختيارات مكروم هنا يمكن أن تكون مثيرة للجدل، فبينما ننظر للأعمال غير القصصية على أنها الفلسفة والتاريخ والنقد الأدبي والثقافي، أدخل فيها مكروم الشعر والمسرح. بالطبع لا يستطيع مكروم أن يضع هذين النوعين ضمن الروايات (الكتاب السابق)، ولكن ما معنى أن نضع الشعر والمسرح ضمن النوع الآخر، وهل من الأفضل صنع قائمة جديدة لهما، أو بالأحرى قائمتين؟
وجهة نظر مكروم أن هذا نابع من التوافق المكتبي، إذا دخلنا مكتبة سنجد القسمة على الأغلب كالتالي: Fiction (أعمال قصصية) وNonfiction (أعمال غير قصصية). ولكن هل هذا يعني أن نضع القصص القصيرة مع الروايات؟ ولماذا لم يضع مكروم ترشيحاته لها في قائمة الروايات أو يخصص لها قائمة؟ الحقيقة أن مكروم نفسه يرى أنه مارس التعسف، سواء في وضع شروط القائمتين أو في اختيار الأعمال داخلهما، وهذا ما يعترف به في الكتابين.
يأتي أيضًا سؤال مركزية اللغة الإنجليزية، وهو سؤال يحتاج إلى الكثير من الفحص، والحقيقة أن توجه مكروم نحو الاقتصار على “الأفضل في اللغة الإنجليزية” له مبرراته التي قد نتفق أو نختلف معها، وقد شرحها في مقدمته. بالنسبة لنا، نحن لدينا موقف من المركزية، ولكن علينا ألا نغفل أيضًا أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الثانية التي نتعلمها في مدارسنا ونبدأ منها بالاطلاع على الثقافات الأخرى، لذلك علينا ألا ننكر هذه الحقيقة، مع الوضع في الاعتبار ألا نغفل عن مساءلة ما نقرأه بهذه اللغة ومنها.
تظل قائمتا مكروم تحمل أهمية أكبر من كونها مجرد قوائم لأنها تقدم أسبابًا لاعتبار هذه الكتب المذكورة أفضل الكتب التي كتبت باللغة الإنجليزية، حتى وإن كانت مجرد أسباب شخصية. يسرد مكروم هذه الأسباب في صورة مقالية سردية واستعراضية جذابة، وتأتي هذه المقالات كلوحة فسيفسائية للثقافة الإنجليزية حيث يصبح كل غلاف من أغلفة الكتب قطعة من بين قطع هذه اللوحة.
إحدى الطرق لقراءة هذا الكتاب هو قراءته بوصفه استعراضًا لتاريخ الثقافة الإنجليزية ورصدًا لتطورها، حيث يتبع مكروم تسلسلًا تاريخيًا للكتب الواردة هنا من الأقدم إلى الأحدث، ويتمثل هذا الاستعراض في أكثر الصور مادية: صورة المكتبة. هذا الاستعراض التاريخي يضم كتابًا وكاتبات مشاهير مثلما يضم كتابات قد تبدو لنا مجهولة، وذلك من منطلق أنه لا يهتم بالأعلام من الشخصيات الثقافية بقدر ما يهتم بالأثر المادي الذي قد تتركه أعمالهم على الأجيال التالية.
وتعد هذه المقاربة مقاربة ذكية لأنها تدفع القارئ إلى قراءة المزيد والمزيد من الكتب، وأفضل الكتب هي التي تدفعك إلى قراءة كتب أخرى، سواء بشكل غير مباشر مثلما يحدث مع أغلب الكتب أو بشكل مباشر مثلما نجد في كتابنا هذا. يسأل كثير من القراء الذين يحافظون على عادة القراءة العامة أنفسهم دائمًا، “ماذا أريد أن أقرأ اليوم؟”، ثم يذهبون إلى مكتبتهم الخاصة أو العامة أو تطبيقات القراءة الإلكترونية ويختارون كتابًا لم يقرأوه بعد. يأتي كتابا مكروم “أفضل مئة رواية” و”أفضل مئة كتاب” كي يقصر المسافة على القارئ ويضع الترشيحات بين يديه مباشرة.
الأمر الملاحظ في الكتابين أن أكثرية الكتب المختارة تنتمي إلى تراث القرن العشرين منها إلى القرون السابقة، وهذا إن دل على شيء فهو دليل على أن مكروم يميل إلى الحداثة أكثر، يمكن تفسير ذلك بالنسبة إلى كتاب “أفضل مئة رواية” بأن فن الرواية تطور كثيرًا خلال القرن الماضي، لكن ما تفسير ذلك بالنسبة إلى الأعمال غير القصصية؟
ربما يمكن أن نفسر ذلك بالسياق الصحفي والزمني الذي كتب فيه مكروم القائمتين، فمكروم يكتب إلى قراء جريدة سيارة معاصرين وليس إلى باحثين أكاديميين في تراث الأدب والثقافة الإنجليزيين، وهذا يعني أنهم سيرغبون في قراءة أعمال تتعلق بزمنهم الحالي أكثر من الأزمنة الماضية. إن ما يمكن تسميته بالأعمال الخالدة لجمهور من القراء الفانين سيظل دائما وأبدًا مؤطرًا بسياق زمني يحدده، فحتى الخلود قضية تاريخية في حد ذاتها.
وفي النهاية وتحسبًا للانتقادات يدعو مكروم قراءه بأن يضعوا قوائمهم الخاصة لأفضل كتب قرأوها.
لا يسعنا بعد إتمام مشروعي القائمتين سوى أن نشكر الناقد والصحفي الإنجليزي روبرت مكروم الذي تحمس لمشروعنا ووجدنا منه ترحيبًا كبيرًا عندما خاطبناه لترجمة كتابيه، بالإضافة إلى ناشر الكتابين في الأصل السيد روبرت هايد.
نشكر الأستاذ رجائي موسى ودار نشر هن، وهذا هو التعاون الرابع بيننا، ونحن ممتنون لاهتمامه وحماسه وتعاونه لإخراج هذا الكتاب إلى النور.
ونشكر الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، الذي ساعدنا كثيرًا في تنمية مشروع “كتب مملة” وإصدار أربعة كتب من المشروع.
ونشكر الأستاذة والمترجمة نهال خليل، التي ساعدتنا نحن والمساهمين على تنظيم عملية اختيار المقالات والترجمة والتحرير.
وأخيرًا نشكر مجموعة المحررين والمترجمين الذين ساهموا في هذا المشروع بحب وحماس شديدين.
يعتبر هذا الكتاب تتمة لمرحلة هامة في حياة مشروع “كتب مملة”، ويسعدنا أننا تمكننا في توثيق المشروع بنشر أربعة كتب حتى الآن.
أمير زكي – حسين الحاج
2024