حوار مع المترجم | رواية “أيها العالم الجميل، أين أنت؟” من ترجمة أحمد جمال سعد الدين

حوار مع المترجم | رواية “أيها العالم الجميل، أين أنت؟” من ترجمة أحمد جمال سعد الدين

نتحدث مع الكاتب والمحرر العلمي أحمد جمال سعد الدين في هذا الحوار عن تجربته في ترجمة رواية «أيها العالم الجميل، أين أنت؟» لسالي روني، الصادرة حديثًا عن دار الآداب.

1. هل يمكنك أن تقدم لنا نبذة عن الكتاب ومؤلفته؟

مؤلفة الكتاب هي سالي روني، روائية أيرلندية من مواليد ١٩٩١، نشرت ثلاث روايات، الأولى عام ٢٠١٧ بعنوان (Conversation With Friends)، ثم (Normal Peopla) في ٢٠١٨، وبعدها (Beautiful World, Where are You) في ٢٠٢١، والأخيرة هي الرواية التي ترجمتها إلى العربية تحت عنوان (أيها العالم الجميل، أين أنت). ويضمها البعض إلى تيار كُتاب الألفية، بحكم السن على الأقل. وهي تصف نفسها عامة باعتبارها نسوية ماركسية، ويمكن للمرء أن يجد لذلك صدى في رواياتها كلها، وخاصة في أيها العالم الجميل، تتكيء كثيرًا على أفكار وسرديات ماركسية، على الأقل موجاتها الجديدة.

الكتاب بالأساس يحكي قصة صديقتين: أليس كيليهر، وهي روائية أيرلندية هي الأخرى، وصديقتها المقربة، إيلين لايدون، التي تعمل محررة في مجلة أدبية. تسرد الرواية مقتطفات من طفولتيهما حتى مرحلة الشباب، ويتخلل الفصول مراسلات بين البطلتين، تكاد تكون مقالات يمكن قراؤتها بصورة منفصلة، عن العالم والهيكل الاجتماعي، والطبقة، والتاريخ، وغيرها.

أحيانًا ما كنت أشعر أن هذه المقالات كانت أمتع من الرواية بصورتها الروائية نفسها. شعرت في تلك الأجزاء أن الكاتبة تتخلص من عبء الكتابة، وتتفرغ للحكي والتأملات العشوائية.

2. لماذا اخترت هذا الكتاب لترجمته؟ 

بصراحة لم أختر أي شيء. لست مترجمًا من الأساس، ولا أعتبر نفسي واحدًا، كنت قبلها قد ترجمت كوميكس الحرّاس لآلان مور وديفيد جيبونز وصدرت عن دار المحروسة في مصر، وترجمتي لهذا الكتاب جاءت لأنني أحب كتابة آلان مور، لذا غرقت سنة ونصف تقريبًا في هذه المهمة، ومحاولة فك طريقة كتابته شديدة التعقيد والمعتمدة على الإحالات لمصادر من الثقافة الشعبية والكتاب المقدس والميثولوجيا وغيرها. فكرت أن هذه التجربة لن تتكرر مرة أخرى، ثم عرضت دار الآداب عليّ ترجمة أيها العالم الجميل، فقرأتها وكان انطباعي عنها إيجابيًا في المُجمل، فيها بعض التساؤلات التي تطرأ على بال الجيل الميلينال الذي تنتمي له الأستاذة سالي روني، خاصة المواطنون البيض في الغرب، يشترون الأطعمة الجاهزة من السوبر ماركت، ويشعرون بالذنب ناحية السلاحف وهذه الأمور، فقررت ترجمتها. إضافة طبعًا إلى بعض الفنفنة. 

3. ما التحديات التي واجهتها أثناء ترجمة الكتاب؟

بصراحة لم تواجهني تحديات كبيرة غير الإحالات للثقافة الشعبية، لغة الرواية سهلة ولطيفة، وسالي روني تكتب تقريبًا كما تتكلم. حتى جملها الطويلة، و الاستطرادات من وقت لآخر، كانت في النهاية يسهل التعامل معها.

4. ما مشروعاتك القادمة في الترجمة؟ 

انتهيت من ترجمة رواية (كل العشاق في الليل) لميوكو كواكامي. وستكون هذه هي آخر رحلتي مع الترجمة، على الأقل هذه الفترة. 

5. ما الذي جعلك تتجه لمهنة الترجمة؟ 

لا أعتبر نفسي مترجمًا. أنا مُحب مخلص للغات. لكن عملية الترجمة نفسها مغرية جدًا في الحقيقة. ترى بعينك كيف يخرج المعنى من لغة، ليحل في لغة أخرى، ويتخذ شكل الوعاء الجديد الذي يحلّ فيه، بكل انحيازاته وسياقاته. أنا من المؤمنين بأن كلمة (ماء) تختلف عن كلمة (Water). هاتين كلمتان اتفق أهل لغتين أنهما يعنيان الشيء نفسه. لكن المعنى الذي تنقله الكلمة هنا يختلف بالكامل عن الحالة هناك. سياقات وانطباعات ومجال كامل تحمله الكلمة البريئة التي تتظاهر بأنها مجرد (ماء أو Water).  طبعًا أكرر. كل هذه تأملات شخصية قد يراها المتخصصون سذاجة أو إفراطًا في التأويل. لكن هذا أحب أن أفكر في الأمر. 

ما التحديات التي يواجهها المترجمون إلى العربية؟

يُسأل في ذلك المترجمون العرب. لكن يمكنني أن أحدثك عن العالم الذي تحركت فيه مثلًا. عملت لأربع سنوات من حياتي المهنية محررًا في الطبعة العربية من دورية Nature. جزء معتبر من تجربتي هناك كان التعامل مع النصوص العلمية العربية المترجمة من الإنجليزية، وتحريرها، وتقديمها للقارئ العربي. كانت هذه تجربة صعبة، بألطف العبارات. فهناك الكثير من المصطلحات التي لا يوجد لها مقابل باللغة العربية أصلًا، وليس لها أي دلالة عندنا، وهي شائعة ومستخدمة في عالم الكتابة الصحفية العلمية، ولا يمكن تجاهلها. هنا كان المرء في كثير من الأحيان يُضطر لنحت المصطلحات نحتًا، ولذلك الهدف كنت أعود في تلك الأوقات إلى كثير من المراجع لأفهم كيف يُصكّ المصطلح من الأساس. مع التركيز على شعور عجيب يمزج بين الفخر والانزعاج، في أن يطلق المرء كلمة جديدة إلى العالم. لم يكن ذلك بالأمر السهل طبعًا. خاصة أن اللغة هي ما يعترف به الناس لغة. لذا ففكرة اطلاق مصطلح أو كلمة جديدة كانت دائمًا ما تسبب لي نوعًا من الضيق. ضيق بالحالة العامة، وضيق لأن الكتابة العلمية باللغة العربية ضعيفة إلى هذه الدرجة، إلى الدرجة التي تجعلني أنا، وأنا جالس في المكتب أمام الشاشة، أجد كلمة لا أعرف أصلًا لها مقابلًا في لغتي، ولا أعرف جذرًا يمكنني أن أعود إليه فأنحت منها. لكن هكذا تحدث الأمور على كل حال. لا أزال أعتبر تلك المساحة مصدر فخر بالنسبة لي.    

7. هل يمكن أن تصف لنا طريقتك في الترجمة، مثلًا كم مسودة تعمل عليها؟ 

أترجم أولًا. ثم أراجع النص مراجعة أولى في مقابل النص الإنجليزي. ثم مراجعة ثالثة وأخيرة على تماسك النص الداخلي، وأنقيه من شوائب التعبيرات الحرفية التي تتسلل إلى الترجمة. ثم أرسل النص إلى الناشر، وأرى إن كان لديه أي ملاحظات. هكذا حدثت الأمور معي في تجربتي المحدودة بعض الشيء.  

8. كيف وظَّفت عملك الحالي، التحقق من المعلومات، في الترجمة؟

لا أعرف ما إذا كان ذلك قد استفاد من ذاك أو العكس. لكن كل التجارب التي يخوضها الإنسان تغيّر فيه شيئًا ما. ربما الشيء الذي يمكنني أن أضع يدي عليه، هو الشك المستمر في كل معلومة أو معنى، لا أقبل عادة بمصدر واحد أو قاموس واحد في أي كلمة أبحث عنها. كذلك أولي اهتمامًا مُحددًا لظلال المعاني. بعض الكلمات تُستخدم في كثير من الأحيان داخل سياقات بعيدة عن معناها الأصلي، وبطريقة تأخذ بعض المعنى الدارج لا المعنى كله. على الإنسان أن يكون منتبهًا، يؤتى الحذِر من مكمنه، ولا أحد كبير على اللغة. 

اترك تعليقاً