حوار مع المترجم | رواية «بشارات طيبة» من ترجمة محمود راضي

حوار مع المترجم | رواية «بشارات طيبة» من ترجمة محمود راضي

نتحدث مع المترجم محمود راضي في هذا الحوار عن تجربته في ترجمة رواية «بشارات طيبة: النبوءات الصادقة والوافية لآجنس نوتر الساحرة» لنيل جايمان وتيري پراتشيت التي صدرت عن دار عصير الكتب. 

  1. هل يمكن أن تقدم لنا نبذة عن الكتاب ومؤلفه؟ 

«بشارات طيبة» رواية فانتازية كوميدية صدرت في العام 1990، وهي أول عمل روائي في مسيرة نيل جايمان على الإطلاق، وتحكي عن الملاك عزرافيل والشيطان كرولي اللذين تجمعهما علاقة معقدة منذ بدء الخليقة، لا تستطيع أن تصفها بالصداقة ولا تستطيع أيضًا أن تعتبرها عداوة، لكنهما يعيشان بيننا -نحن البشر- الآن في عصرنا الحالي وقد اعتادا على أسلوب حياتنا، إلا أن كل شيء يتغير تمامًا بالنسبة لهما مع ميلاد عدو المسيح الذي سيجلب معه نهاية العالم بعد أحد عشر عامًا من الآن، مما يدفعهما إلى خوض مغامرة فريدة من نوعها. 

نيل جايمان كاتب بريطاني تنوعت أعماله بين الروايات والقصص المصورة والكومكس والكتب غير السردية، وبات من أهم كتاب الفانتازيا في العالم، بدأ مسيرته الروائية من خلال «بشارات طيبة» بالتعاون مع الروائي البريطاني تيري پراتشيت، حيث شارك في كتابتها بالتزامن مع عمله على سلسلة الكوميكس «رجل الرمال»، كما أصدر العديد من الروايات الناجحة، مثل «كورالاين، آلهة أمريكية، المحيط في نهاية الدرب، كتاب المقبرة». 

أما السير تيري پراتشيت الذي رحل عن عالمنا في العام 2015، فهو من أهم كُتاب الفانتازيا في بريطانيا، بل ورائد الفانتازيا الكوميدية، واشتهر بسلسلة رواياته الفانتازية الشهيرة «ديسكوورلد» التي أصدر أول رواية منها في العام 1983، وبلغ عدد روايات هذه السلسلة 41 رواية، وتحول عدد منها لروايات مصورة، وعانى في السنوات الأخيرة من حياته من مرض ألزهايمر. 

  1. لماذا اخترت هذا الكتاب لترجمته؟ 

عُرض على ترجمة هذه الرواية بعد انتهائي من ترجمة المجموعة القصصية «وردية الليل» بصحبة صديقي الروائي والمترجم محمد عبد النبي، وهو ما صادف هوى في نفسي، ووافقت على ترجمتها لأكثر من سبب: حبي في الأساس لعوالم نيل جايمان الخيالية، ولأني اعتبرتها فرصة ليتعرف القارئ العربي على الكاتب تيري پراتشيت الذي لم يُترجم له أي عمل من قبل إلى العربية حسب علمي، كما أن الرواية تقدم تصورًا ساخرًا وغير معتاد عن نهاية العالم في هكذا روايات، وتستخدم مزيجًا مدهشًا وغريبًا من الأدوات السردية التي زودت النكهة الحريفة للسخرية في الرواية، كما أني أحب أن أتحدى نفسي في الترجمة وأن أجرب ساحات جديدة غير معتادة بالنسبة لي، ومن هنا قررت خوض تجربة ترجمتها رغم الصعوبات الشديدة التي تكتنف هذه الرواية، وهي النقطة التي أجمع عليها كل مترجميها من جميع أنحاء العالم. 

  1. ما التحديات التي واجهتها في أثناء ترجمة الكتاب؟ 

في الحقيقة واجهت تحديات عديدة لا تُحصى خلال ترجمة هذه الرواية، فالرواية خيالية كوميدية، والكوميديا من أصعب الضروب في ترجمتها من لغة لأخرى، حيث ينبغي على المترجم نفسه أن يكون متذوقًا للكوميديا، ويحاول قدر المستطاع بما يملك من أدوات في جعبته وفي جعبة اللغة الهدف أن يوصل هذه الكوميديا، خاصة أنه سيواجه لا محالة فقدًا حتميًا خلال عملية الترجمة، ناهيك بالطبع عن تقديم هذه الكوميديا لقارئ من ثقافة مغايرة تمامًا، حيث تزداد تلك الصعوبة مع النكات أو الطُرفات ذات الصلة الوثيقة بالثقافة البريطانية الشعبية. 

كما أن الرواية مأهولة بعشرات الإحالات في شتى المواضيع التي يمكنكم تخيلها: الدين، التاريخ، الموسيقى، السينما، الأدب، الميثولوجيا، الثقافة الشعبية البريطانية، الجغرافيا.. وغيرها الكثير، وكلها إحالات تتطلب الكثير والكثير من البحث المضني في المراجع وعبر شبكة الإنترنت، عدت للكتاب المقدس مرات لا تُحصى خلال عملية الترجمة، كما عدت لكتب عديدة لأفهم منها بعض النقاط التي استغلقت عليّ، وإلى عدد من أعمال چ‍‍يمس چ‍‍ويس (الذي أحبه كثيرًا) ودانتي وجون ميلتون وجورج أورويل، بل إن پراتشيت يقدم داخل الرواية إحالات لبعض التفاصيل الخاصة بسلسلته الفانتازية التي ذكرتها سابقًا، مما دفعني للرجوع إليها هي الأخرى. 

ناهيك طبعًا عن احتشاد الرواية بعشرات الألعاب اللغوية التي تحتاج إلى تعامل خاص، وبحيث لا يشعر القارئ العربي بغرابتها عن سياقه الثقافي قدر المستطاع، وبقدر ما تتسع اللغة العربية لهذه الألعاب، حتى أني جعلت اللجوء إلى الهوامش لشرح الألعاب اللغوية هو الحل الأخير دائمًا. 

  1. ما مشروعاتك القادمة في الترجمة؟ 

أعمل حاليًا على ترجمة رواية جديدة، واعتبرها واحدة من أجمل ما كُتب في أدب ما بعد القيامة، وعلى رغم أنها صدرت في حقبة السبعينيات، إلا أنها وثيقة الصلة بما عايشه البشر في السنوات الأخيرة من نواح عدة. 

  1. ما الذي جعلك تتجه لمهنة الترجمة؟ 

قادتني الصدفة وحدها في العام 2007 للعمل في مجال الترجمة الأكاديمية عقب تخرجي في الجامعة مباشرة بفضل إتقاني للغة الإنجليزية، وعملت في هذا المجال لسنوات عدة، ثم اتجهت للعمل في الترجمة الصحافية، وعملت طيلة هذه السنوات على صقل أسلوبي أكثر في الترجمة، أما خطوتي الأولى في مجال الترجمة الأدبية، فجاءت في أواخر العام 2016 حينما عرض عليّ صديقي الناشر محمد خيري صاحب منشورات ويلز أن أترجم الرواية القصيرة «الآلة تتوقف!» للكاتب البريطاني إ. م. فورستر، وشجعتني هذه التجربة على الاستمرار في مجال الترجمة الأدبية إلى يومنا هذا. 

  1. ما التحديات التي يواجهها المترجمون إلى العربية؟ 

أظنه سؤال يحتاج إلى حوار منفصل بسبب تعدد وتشابك التحديات التي يواجهها المترجمون في العالم العربي، مما يستدعي مساحة أكبر، ولكن كي أتحدث على المستوى الشخصي، فربما من أكبر التحديات هي محاولات التوفيق بين ما نرغب في ترجمته وما يرغب الناشرون في تقديمه، بالإضافة إلى الصعوبات الجمة في الحصول على حقوق الكتب من الأساس. 

7. هل يمكن أن تصف لنا طريقتك في الترجمة، مثلًا كم مسودة تعمل عليها؟ وما القواميس أو المراجع التي تعتمد عليها؟ 

قبل الشروع في عملية الترجمة، أعمل على جمع كل ما يساعدني في هذه العملية، حيث أبحث عن المراجع التي سأستعين بها لتكون معي عند الضرورة، والأغاني التي وردت في الرواية أو ذات الصلة بها، أما عند الشروع في الترجمة، فأعمل على مسودة أولى للترجمة، ثم أراجعها مرتين بعد انتهائي تمامًا من ترجمة الكتاب: مرة مع الأصل الإنجليزي بالاستعانة بالكتاب الصوتي، والمرة الثانية مراجعة للصياغة العربية، بالإضافة إلى مراجعة إضافية لبروفة الطباعة. 

بالإضافة للمعاجم، لا اقتصر في بحثي على المعاجم الإنجليزية مثل ميريام وبستر أو أوكسفورد، بل أبحث في عدد كبير من المعاجم العربية للاستوثاق من المعاني الدقيقة للعديد من الكلمات، خاصة المترادفات، أو الكلمات ذات المعاني المتقاربة للتأكد من استخدامي للمفردة الصحيحة.  

كما أعود للمعاجم الإلكترونية التي توثق للمفردات الدارجة مثل Urban Dictionary لأني أحتك كثيرًا بمفردات دارجة تُستخدم عن قصد من الكاتب وتحتاج إلى نقل معناها الدقيق.

اترك تعليقاً