حوار مع المترجم | رواية “حاصل الطرح” من ترجمة محمد الفولي

حوار مع المترجم | رواية “حاصل الطرح” من ترجمة محمد الفولي

نتحدث مع المترجم محمد الفولي في هذا الحوار عن تجربته في ترجمة رواية «حاصل الطرح» لآليا ترابوكو ثيران، الصادرة عن دار ممدوح عدوان ودار سرد سنة 2021. محمد الفولي مترجم. كاتب. صحفي. محب للمزاح والهزل بقدر حبه للجدية والعمل.

1. هل يمكنك أن تقدم لنا نبذة عن الكتاب ومؤلفته؟

حصل العمل على جائزة أفضل رواية غير منشورة من وزارة الثقافة التشيلية ثم نُشر في 2015 وحين تُرجم إلى الإنجليزية، ترشح لجائزة «مان بوكر» الدولية.

الرواية قصيرة، ومع ذلك غنية بالأحداث، والأساليب السردية المختلفة. تتناول الأثر الذي خلفته حقبة ديكتاتورية بينوشيه على الأجيال اللاحقة، عبر رحلة يخوضها ثلاثة من أبناء أعضاء في تنظيم سري سابق من تشيلي إلى الأرجنتين، فنرى مفاهيم الاغتراب الداخلي والخارجي، وكيفية امتداد أثر الفراشة جغرافيًا وزمانيًا.

بالنسبة إلى المؤلفة، آليا ترابوكو ثيران، فهي من أصول عربية، واسمها مأخوذ من اسمه جدتها علياء. تُعد من أهم الأصوات الصاعدة في تشيلي وأمريكا اللاتينية.

صدرت لها مؤخرًا رواية جديدة وعنوانها «نظيفة». لها كتاب نسوي غير روائي بعنوان «القاتلات».

2. لماذا اخترت هذا الكتاب لترجمته؟

حين اقترح الناشر الكتاب، قرأته في يومين فحسب. سحرتني أشياء كثيرة: تغير النبرة السردية بين الراويين إيكيلا وفيليبي. إذ بدت المسألة كأن الرواية كُتبت بقلمين مختلفين، لا قلم واحد. تشوب نبرة إيكيلا الشكوك، والحيرة، وانعدام اليقين، أما فيليبي، فأي نوع من الرواة هذا! كل ما يقوله يبدو محض جنون، لكنه في الوقت نفسه منطقي. تلك الرمادية، تلك الضبابية، تلك الغرابة التي تكتنف كل شيء، وذلك الحزن المستتر الذي يطل برأسه رويدًا رويدًا، حين نفهم خلفيات كل الشخصيات.. كلها أمور راقتني. 

بخلاف ذلك، العمل موبوء بالإشكاليات الترجمية، وأنا أعشق مواجهة هذا النوع من الأوبئة، إذ تُساعدني في اكتساب مناعة أمام أي جوائح ترجمية أخرى. جُمل مُقفاة بالإسبانية وأخرى تحمل معان مزدوجة، كيف نحلها بالعربية؟ مترادفات بلهجات ولكنات إسبانية مختلفة، كيف سأتعامل معها؟ مشتركات لفظية ومعان مزدوجة.. أهلًا وسهلًا! علمت أن كل هذه الأشياء ستتحداني وسترفع من حساسيتي اللغوية والترجمة، وبالتبعية خبرتي. مكمن الجمال هنا ليس تقليديًا. لا أحسبه مناسبًا لنوعية القار ئ السهل الذي يسقط بسذاجة في مصيدة جزالة اللغة ويعدها العنصر الأهم في أي كتاب. لا. هنا المسألة أعقد بكثير. تحتاج إلى أن تفتح عينيك، وأن تنتبه جيدًا، وأن تقبل أشكالًا جديدًا للجمال.

3. ما التحديات التي واجهتها أثناء ترجمة الكتاب؟

تحديات كثيرة، أبرزها بالطبع الفصول التي يرويها فيليبي، الذي مع أن كلامه أحيانًا ليس منطقيًا، كما قلت في إجابتي السابقة، فهو المنطق بعينه. كيف تحافظ على هذه الروح، أو على الأقل نسبة كبيرة منها؟ هذا تحد كبير. من ناحية أخرى، الهوامش. هذا كتاب لا يُفهم ولا يُحس إلا بالهوامش. تحذير: إذا كنت قارئًا معاديًا للهوامش، فأرجو أن تبتعد! أيضًا، لدينا أمور كثيرة أخرى قد لا يتسع المجال لذكرها، منها مثلًا المفردات والتعبيرات التشيلية التي يشق العثور عليها في القواميس التقليدية، واضطررت بسببها إلى الغوص في قواميس إلكترونية للإسبانية التشيلية.

4. ما مشروعاتك القادمة في الترجمة؟

ترجمة عدد من أعمال الكاتب خابيير ثيركاس. الاستمرار في ترجمة أعمال خوان خوسيه ساير والمضي قدما في اصطياد عناوين لمؤلفين كبار لم تُترجم بعد. الانتهاء من تأليف كتاب جديد أعتقد أنه غير قابل للتصنيف.

5. ما الذي جعلك تتجه لمهنة الترجمة؟

لا أدرى ما إن كنت قد اتجهت إلى مهنة الترجمة أم أنها من اتجهت إليه، لكنني أحبها. لا يمر يوم من دون أن أترجم. لماذا تشرق الشمس؟ لماذا تغيب؟ لماذا مارادونا هو أعظم لاعب في التاريخ؟ لا أعتقد أنني أملك إجابة كافية، مع أنني حاولت في حوارات سابقة أن أجد السبب الفعلي، لكنني حين أفكر الآن مليًا، أعتقد أنني لم أصب ولا مرة. ربما سأصل إلى إجابة مقنعة نوعًا ما، حين أنتهي من تأليف هذا الكتاب الذي أحسب أنه لا يقبل التصنيف.

6. ما التحديات التي يواجهها المترجمون إلى العربية؟

غياب التأهيل المهني. اختلاف السياسات التحريرية بشكل فج. تصلب اللغة وانعدام مرونتها في أحيان كثيرة. كابوس الرقابة غير المبررة في أحيان كثيرة. ارتباط حركة الترجمة إلى العربية بما يُترجم من اللغات الأخرى إلى الإنجليزية في كثير من الأحيان، كأن ترجمة عمل ما إلى الإنجليزية هو ختم الجودة الوحيد كي ننظر إليه. داء الترجمة عن اللغات الوسيطة. استغلال بعض الناشرين -ولنضع تحت «بعض» هنا ألف خط- للمترجمين الشباب ودفعهم للعمل بأجور زهيدة، في وقت يحصلون فيه على منح دعم بآلاف اليوروهات والدولارات من وزارات الدول الأجنبية، مع أن هذه المبالغ يُفترض أن تُوجه في الأصل إلى المترجم.

7. هل يمكن أن تصف لنا طريقتك في الترجمة، مثلًا كم مسودة تعمل عليها؟ وما القواميس أو المراجع التي تعتمد عليها؟”

لا بُد أن أقرأ أي كتاب قبل ترجمته، لأعرف أولًا هل سيروقني أم لا. أثناء القراءة أُحدد مستوى لغة النص، والصعوبات التي يتضمنها، وبناء عليهما أحدد عددًا معينًا من الكلمات -وهو العدد الذي يتغير وفقا لصعوبة العمل- لأترجمه وأراجعه يوميًا. 

 بعدئذٍ، حين أفرغ من ترجمة الكتاب كله، أبدأ مراجعة أنظر فيها إلى النصين الأصلي والمترجم، كلمة كلمة وجملة جملة، لمعرفة ما إذا كان قد سقط مني أي شيء سهوًا. بعد أن أفرغ من هذه المراجعة، أبدأ واحدة أخرى، لتدقيق النص إملائيًا ونحويًا، ثم أترك الكتاب فترة. لنقل شهرًا أو شهرًا ونصف، وفقًا للوقت. ثم أجرى مراجعة أخرى، بعين جديدة ليست منتشية أو مصابة بالثمل الترجمي، فأضع يدي على ما تيسر من مكامن الضعف والعوار وأحاول ضبطها.

 بعدئذٍ، أُرسل النص للناشر، وحين يعود إليّ، أراجعه بحثًا عن أي تغييرات أو تعديات قد حدثت من قبل المدقق أو المحرر ومناقشتها معه إن استدعى الأمر، ورد كل ما يُستدعي رده إلى أصله. في النهاية، أقرأ بعد إدراج التعديلات الأخيرة، النسخة النهائية قبل إرسالها للمطبعة. هذا بالطبع لم يكن روتيني في ترجماتي الأولى، لكن مع تقدم مسيرتي، صار هذا نهجي التقليدي.

بالنسبة إلى القواميس والمراجع فهي كثيرة وتتنوع وفقًا للكتاب، لكن مثلًا لا يُمكنني الاستغناء عن القاموس أُحادي اللغة للأكاديمية الملكية الإسبانية، وقاموس المعين «إسباني-عربي»، وبالطبع معاجم اللغة العربية، والقواميس الخاصة بمفردات دول بعينها مثل المكسيك والأرجنتين وتشيلي، إن استدعى الأمر.

اترك تعليقاً