حوار مع المترجمة | كتاب الأخلاق والفكر الحديث من ترجمة مارينا أشرف

حوار مع المترجمة | كتاب الأخلاق والفكر الحديث من ترجمة مارينا أشرف

نتحدث مع المترجمة مارينا أشرف في هذا الحوار عن تجربتها في ترجمة كتاب «الأخلاق والفكر الحديث» لرودلف أويكن، الصادر حديثًا عن دار المتنبي. مارينا أشرف مترجمة مصرية، حاصلة على ماجستير النظرية النقدية من قسم اللغة الإنجليزية، كلية الآداب. شاركت في ترجمة بعض مقالات كتاب «أفضل مئة رواية في اللغة الإنجليزية» لروبرت مكروم. كما إنها ترجمت العديد من المقالات في مجلات مصرية وعربية، كتاب «الأخلاق والفكر الحديث» أول ترجمة كاملة لها.

1. هل يمكنكِ أن تقدمي لنا نبذة عن الكتاب ومؤلفه؟

بالنسبة للكتاب ومؤلفه، وهو ما اهتممت بتقديمه قبل عرض ترجمة الكتاب، فقد اقترحتُ على دار المتنبي العزيزة، إضافة مقدمةٍ نقدية إلى الكتاب لم تتجاوز العشر صفحات، وقد أبدى مسؤولو الدار موافقتهم وترحيبهم. أردتُ في هذه المقدمة توضيح نبذةٍ ولو بسيطة عمن هو أويكن وعما يدور الكتاب، خصوصًا وأن اللغة الفلسفية لغة صعبة، ربما لا يتشجع قارئ اليوم على الخوض في أعماقها.

الكتاب في البداية عنوانه الأخلاق والفكر الحديث وهو عبارة عن عددٍ من المحاضرات قدَّمها الفيلسوف رودلف أويكن في جامعة نيويورك. ولكن قبل الاستفاضة في الحديث عن محتوى الكتاب نفسه، ربما يتساءل قارئ اليوم: «من هو رودلف أويكن؟» وخصوصًا أن الاسم غير مألوف في مجتمعنا العربي، حيث لم يُترجم له سوى كتابٍ واحد، عنوانه: «معنى الحياة وقيمتها»، ترجمهُ محمد المهذبي مباشرةً عن الألمانية، عن مؤسسة دار صفحة سبعة للنشر والتوزيع عام 2021. وقتها لم أستطع الحصول على نسخة من الكتاب، ولكن أُثير بداخلي سؤال: «كيف يمكن لفيلسوف، حاصل على جائزة نوبل، أن تُهمل كتاباته ولا يُطَّلع عليها؟» خصوصًا أن أعماله تُرجمت في حياته إلى لغات مختلفة في بلاد عدة مثل هولندا وفرنسا والسويد وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان، ولم تدخل ترجماته إلى العربية سوى بحلول عام 2021. أويكن هو فيلسوف ألماني مثالي مواليد 1846، حصل على جائزة نوبل عام 1908 على مجمل أعماله الفلسفية. حصل على الدكتوراه في نفس الجامعة التي درس فيها وهي جامعة جويتنجن (Göttingen) الألمانية، وتخصص حينها في دراسة أرسطو، في تلك الفترة كان يعمل مدرسًا في مدرسة ثانوية وبعد حصوله على الدكتوراه تعين أستاذًا للفلسفة في جامعة بازل السويسرية (Basel) وهي نفس الجامعة التي كان يعمل فيها نيتشه وبوركهارت. انتقل إلى جامعة أخرى وهي جامعة يينا (Jena) بعدها بثلاث سنوات.

أما عن الكتاب وهو كما ذكرتُ عدد من المحاضرات، وسأتحدث باستفاضة فيما بعد لما اهتممت بترجمة محاضرات وليس كتاب يحمل فلسفة صراحةً. كان هدف من المحاضرات تبسيط فلسفته، ومخاطبة الجمهور العام المثقف، وليس الطلاب والدارسين فحسب. لذلك، وكما ذكرت في مقدمة الترجمة، أن الكتاب لم يحو بداخله أي هوامش أو مراجع، وجميع المراجع والهوامش المدرجة إنما هي اجتهاد المترجمة، تسهيلًا لإحالة أي اقتباس أو توضيحًا لأي معلومة قد تفيد أكثر في فهم النص أو إضافةً لتعليق على بعض نصوص الكتاب. صدر الكتاب للمرة الأولى باللغة الألمانية وتبعتها الترجمة الإنجليزية في كتابين لهما عنوانين مختلفين، ولكن نفس محتوى المحاضرات.

انصب اهتمام أويكن على مواجهة مذاهب عدة، أمثال المذهب الطبيعي والمذهب العقلي والمذهب الوضعي، وذلك من خلال دعوته إلى إنشاء مثالية جديدة، لها أساس واحد وهو العنصر الأخلاقي. قمت في المقدمة بتوضيح ما هو المذهب الطبيعي مستخدمة مصادر ثانوية بحثية عن أويكن وتفسيره للمذهب الطبيعي والمادي ونقده لهما. ما بدا لي في النهاية هو دعوة أويكن إلى مجتمع مثالي سلمي، تشبه في جوهرها يوتوبيا توماس مور، لكنها يوتوبيا قائمة على العنصر الأخلاقي فحسب. يدفع العنصر الأخلاقي إلى تأسيس مبدأ الكل والوحدة والتماسك الاجتماعي. وكان لكتاب عبد الرحمن بدوي، ملحق موسوعة الفلسفة، وكتاب عبد الغفار مكاوي تجارب فلسفية إلى جانب المصادر الإنجليزية الشارحة بالطبع دور هام في فهم نصوص أويكن وبناء مقدمة تمهد قراءة الكتاب.

2. لماذا اخترتِ هذا الكتاب لترجمته؟

يستدعي هذا السؤال ذكر تفاصيل اختيار الكتاب نفسها، وأولها إنني اعتدت على ترجمة المقالات، في نفس التوقيت تعرفت على المترجم الكبير «يوسف نبيل» المترجم عن الروسية وتابعت إنتاجه المذهل، فكان أول أسئلتي التي طرحتها عليه: «كيف أترجم كتابًا بأكمله؟» أخبرني بإنه ينبغي علىّ اختيار كتاب أفضل ترجمته ومن ثم تقسيم عدد كلماته على فترة محددة من الوقت بحيث أعمل يوميًا على ترجمة عدد ثابت من الكلمات، وبذلك سأتمكن من الانتهاء من الكتاب. طلبت منه المساعدة! وطلب مني تحديد كتاب بعينه. في البداية توجهت لكتاب (The Proposed Ways to Freedom) للكاتب برتراند راسل، لما يحمل حديثًا جادًا وشيقًا عن ماركس والماركسية والاشتراكية، ولما بحث فترة من الزمن للتأكد من أن الكتاب لم يترجم من قبل، اطمأن قلبي وشرعت في الترجمة. وبالفعل ترجمت الفصل الأول منه، وقبل تسليم الفصل راودني شك خفي فبحث مرة أخرى: «هل ترجم الكتاب حقًا أم لا؟» وبالفعل وجدته مترجم تحت عنوان سبل الحرية، نسخة نادرة للمترجم عبد الكريم أحمد حوالي عام 1948 أصدرته دار الأنجلو المصرية. ذهبت للأستاذ يوسف بخيبة أمل شديدة وإحباط بأن أولى محاولتي باتت بالفشل. أخبرني بإنه أمر طبيعي وبدأ معي رحلة بحث جديدة عن كتاب جديد لترجمته، وقع اختياري في البداية على كتاب يتحدث عن حياة أويكن، ولكن اقترح علىّ الأستاذ يوسف أن نترجم عملًا له مباشرة، كان العمل هو محاضراته. أما بالنسبة للتحمس إلى المحاضرات والتي أشعر أحيانًا أنها تشبه الحوارات التي تُجرى مع الفلاسفة في جوهرها لأنها تفيد وتسهل كثيرًا في الفهم وتُعد مدخلًا رئيسيًا لفهم فلسفة أي فيلسوف، حيث يحاول الفيلسوف إيصال فكرته قدر المستطاع.  

كتاب سبل الحرية – دار الأنجلو المصرية

3. ما التحديات التي واجهتها أثناء ترجمة الكتاب؟

أثناء مرحلة الترجمة ظهرت أولى العقبات وهي عدم تمكني من الحصول على النسخة الألمانية من المحاضرات لإنها لم تكن متاحة على الإنترنت. أما باقي العقبات فأغلبها كان يخص المصطلحات التي استخدمها أويكن. على سبيل المثال كيفية التفرقة ما بين مصطلحين أساسين استخدمهم أويكن كثيرًا في محاضرته وهما (Ethics) و (Morality). ساعدني بعض الأساتذة في التفرقة بين المصطلحين، واستقريت في النهاية على التعامل مع لفظ (Ethics) على إنه النظرية الأخلاقية ذاتها، أما لفظ (Morality) فيقصد به الأخلاق بشكل عام.

أعتقد أن الحديث عن الترجمة يحمل الصعوبة ذاتها التي يواجها أي مؤلف، وخصوصًا مؤلفي السير الذاتية، في طرح أسئلة تُشبه: «ماذا تفعل أثناء عملية الكتابة نفسها؟» أو «هل تغير اعتقادك بأمر ما؟» أو «هل تؤمن بما كتبته؟» أو حتى «ماذا كنت تقصد بهذه العبارة؟» أعدُّها أسئلة يصعب الإجابة عنها. لأن الترجمة، مثلها مثل الكتابة، ببساطة ليست عملية آلية، فهي تخضع لقراءة متأنية للنص، بل وقراءته عدة مرات للتأكد من الوصول إلى المعنى المحدد، وربما بعد هذا كله يخفق المترجم في الفهم أيضًا، فيتجه إلى البحث. فالمترجم باحثٌ في الأساس، والمترجم الجيد هو باحث متميز، يعلم جيدًا من أين يحصل على المعلومة، ورغم ذلك لا من شيء يقيني، فنحتاج إلى مساعدة الأساتذة والأصدقاء المتخصصين.

هذا ما حدث بالفعل في بعض الأبيات الشعرية التي اقتباسها أويكن في سياق حديثه ودفاعه عن المبدأ الأخلاقي. الأبيات الشعرية كانت للشاعر روبرت براوننج (Browning). توقفت أمامها كثيرًا، وبحث عن ترجمتها أكثر من مرة، ولم أجد سوى بعض الأبيات مترجمة، ولكنها ليست الأبيات المُستخدمة في كتاب أويكن. ثم في الأخير لجأت لصديق وأخ عزيز، «حسين الحاج»، وهو أحد القائمين على موقع تُرجمان، ذهبت إليه بنظرة بائسة ومحبطة: «كيف لي ترجمة هذه الأبيات؟!» هون الأمر علىّ وأخبرني بأنه سيقرأ القصيدة كاملةً بالإنجليزية لعلنا نصل لشيء. انتبه «حسين» إلى أن الأبيات التي اقتباسها أويكن ليست فقرة شعرية (stanza) بعينها، إنما تشبه تركيب جديد. تعجبت! وبعد بحثٍ، وجدنا أن أويكن نفسه قام بتجميع بعض الأبيات مكونًا من خلالها فقرة شعرية جديدة. ازداد الأمر صعوبة. ولكن بالفعل وبعد المزيد من البحث وجدنا أن أويكن اقتطع أول بيتين من الفقرة الشعرية السابعة، وأخذ البيتين الرابع والخامس من فقرة شعرية مختلفة تمامًا، وهي الفقرة الشعرية الرابعة والعشرين، وأضاف الثلاثة أبيات الأخيرة من الفقرة الشعرية رقم خمسة وعشرين. يبدو أن الأمر معقدًا ولكن بالمساعدة يتجلى الانكشاف وتظهر أفكارًا جديدة لا تدل على شيء سوى على عبقرية الفيلسوف وشاعريته بالأساس. ظللنا نحاول في الترجمة وبالفعل قدمنا ترجمةً، لم أنسَ يومها قوله لي حين أخبرته بأنني كتب تعليق شارح لما كونه أويكن؛ قائلًا: «إن هذا الهامش برد وسلام على روح القصيدة». كل ما سبق لا يشير بالضرورة إلى جودة الترجمة أو إلى التفاخر بشيء، كل ما أحاول قوله إن ربما لا تُعبر ترجمة الأبيات عن دقة ما يعنيه الشاعر -لا! ليس الشاعر فحسب بل والفيلسوف أيضًا- ولكنها تعبر عن محاولات صادقة تتضمنها عملية الترجمة ذاتها. محاولات لا مفر منها. ربما لهذه المحاولات قدر ولو بقليل لتهدئة عدم اليقين الذي يصيب المترجم دائمًا.

4. هل يمكنكِ أن تصفي لنا طريقتكِ في الترجمة، مثلًا كم مسودة تعملين عليها؟ وما القواميس أو المراجع التي تعتمدين عليها؟

بسبب ما ذكرته آنفًا، لا أستطيع إخباركم تحديدًا بما يدور في عملية الترجمة أو عدد المسودات إلخ. لأنه ليس بالأمر الثابت على الإطلاق. حتى أنه ينتابني شك دائم حتى بعد صدور الكتاب. بالنسبة للقواميس فهناك قواميس معتمدة وهامة للغاية لا غنى عنها مثل المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا والمعجم الفلسفي لمراد وهبة والمعجم الفلسفي للدكتور إبراهيم مدكور ومعجم مصطلحات هيجل ترجمة إمام عبد الفتاح، ومعجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب لمراد وهبة وكامل المهندس، ولا غنى عن المعاجم الفلسفية الألمانية، حتى نعيد اللفظ إلى الألمانية ونعرف معناه واستخدامه في لغتهم. يوجد أيضًا قاموس هام للغاية عنوانه (Dictionary of Untranslatables). الرجوع لهذه المعاجم أمر لا شك فيه. يمكنني إخبارك بأمر ربما يضحكك، قمت مؤخرًا بتجميع مسرد مصطلحات أغلب المعاجم والقواميس الفلسفية، فكل معجم أو قاموس يحمل في نهايته مسرد بجميع الكلمات الواردة فيه، وربما أيضًا ترجمتها. قمت بتجميعها في ملف واحد وطبعته، ودائما ما أنظر بداخله.  

اترك تعليقاً