صائغو الكلمات متعددو اللغات (الجزء الأول): ليديا ديفيس والترجمة

صائغو الكلمات متعددو اللغات (الجزء الأول): ليديا ديفيس والترجمة

 نحن نعلم أن الإصدارات المبكرة من كافكا والكُتاب الروس كانت تحتوي على أخطاء إلى حد ما وغير مخلصة إلى حد ما، ومع ذلك كانت النسخ الأصلية قوية جدًا لدرجة أنه كان من المهم الحصول على أي ترجمة بدلًا من الحصول على ترجمة «مثالية».

صائغو الكلمات متعددو اللغات (الجزء الأول): ليديا ديفيس والترجمة

حوار ليزل شيلينجر مع ليديا ديفيس

نُشر في لوس أنجلس ريفيو أوف بوكس، مايو 2016

ترجمة: شيماء بدير


كل قراءة هي في الأصل ترجمة. عندما يستوعب عقلك، أيها القارئ، النص، فإنك تستقبله من خلال «مصفاتك» الخاصة للعالم والكلمات. عندما تقرأ كتابًا باللغة الإنجليزية كُتب لأول مرة بلغة أخرى، فإنك تعتمد على «مصفاة» عقل المترجم.

فأفضل المترجمين هم كُتاب وأدباء في الوقت نفسه، لذا فحساسيتهم للفوارق الدقيقة وبصيرتهم الثاقبة وإجادتهم المهيبة للغة الإنجليزية لا تسمح لهم بالترجمة بقدر ما تسمح لهم بإعادة إبداع الأعمال التي يقدمونها لنا.

في إحدى حوارات الكاتب الكولومبي (الحائز على جائزة نوبل) جابرييل جارسيا ماركيز قال إنه يفضل قراءة ترجمات «إديث جروسمان» و«جريجوري راباسا» الإنجليزية لرواياته على قراءة نصه الأصلي بالإسبانية.

وكذا القدرة التعبيرية المذهلة لـ «كونستانس جارنيت» (التي قدمت لعالم القراءة بالإنجليزية أكثر من 70 رائعة من روائع كل من تولستوي، ودوستويفسكي، وتورجنيف، وجوجول، وغيرهم من عمالقة الأدب الروسي) – وقارنها أحد النقاد بقوى تشيخوف الإبداعية (فقد ترجمت «جارنيت» له أيضًا).

في هذا العصر المترابط عالميًا، حيث أصبح إنتاج الكتاب باللغات الأجنبية (وكذلك لغتنا) أكثر وضوحًا ويمكن الوصول إليه أسرع من أي وقت مضى، فإن رغبة الجمهور في معرفة ما يستحق القراءة ما زالت شديدة كما كانت قبل قرن مضى. عندما كان على القراء أن ينتظروا بفارغ الصبر المترجمين -بأعينهم المتفحصة، وأعناقهم المتألمة، وأقلامهم المسننة- ليختاروا أفضل العناوين، ويعيدوا صياغتها باللغة الإنجليزية، ويرسلوها للنشر. اليوم، لا يتعين علينا الانتظار: تتيح تطبيقات الهواتف الذكية ومحركات الترجمة عبر الإنترنت للقارئ العادي الحصول على شرح لأي عبارة تقريبًا بنقرة زر واحدة. ولكن في كثير من الأحيان تكون الترجمات الناتجة اصطناعية ومعيبة، وتفتقر إلى ما أسماه الروائي جورج جيسينج «الحس الإبداعي».

لقد أدى تراكم الكم الهائل من الكتابات على شبكة الإنترنت إلى زيادة تقدير الجمهور لدور المترجم باعتباره حكمًا – يفرز الأدب الجيد من الأدب السيئ؛ في حين أن وفرة الترجمات الرقمية الرديئة في متناول أيدينا أدت إلى زيادة الوعي بالمهارة المطلوبة لإنتاج نص جيد الصياغة. ولذا فقد اكتسب البحث عن صائغي الكلمات الأكفاء والموهوبين متعددي اللغات في الآونة الأخيرة أهمية جديدة وضرورة ملحة.

في قرننا الجديد، سمح الاهتمام المتزايد بالأدب المترجم بظهور عدد قليل من دور النشر والمنشورات في الولايات المتحدة الأمريكية (سواء عبر الإنترنت أو ورقيًا) المتخصصة في مثل هذا الفن. إن القراء الذين يبحثون عن الكتب والمقالات التي ينتجونها يدركون بسرعة دور المترجمين الحاسم الذي لا يمكن الاستغناء عنه: فهم جنود الصفوف الأولى للتغيير الجوهري في الفكر والتعبير والإنتاج الأدبي، وهو موجود في كل مكان حولنا، ولكننا نستطيع فقط التعرف عليه بعد أن يعطيه المترجم الاسم والهيئة.

تحدثت هذا الربيع مع ستة مترجمين متميزين: ليديا ديفيس (التي تترجم من الفرنسية وسبع لغات أخرى)، وميخائيل هوفمان (الألمانية)، وإديث جروسمان (الإسبانية)، وآن جولدشتاين (الإيطالية)، وجامي جامبريل (الروسية)، ودون بارتليت (النرويجي). قمت بهذه الجولة حول العالم من مكتبي، سعيت فيها لمعرفة الدوافع التي جذبتهم إلى هذه الحرفة المضنية. رغبت في تقدير شغفهم وعاداتهم في العمل، ومعرفة الهدف الذي يعتقد كل منهم أن الترجمة تخدمه. كان لديَّ أسباب أنانية: فأنا أترجم من الفرنسية والألمانية والإيطالية. وفي قراءتي المتكررة لأدب الأمم الأخرى، يتكون لدي رد فعل غريزي (إيجابي) تجاه الترجمات التي تبدو أنها تجعل اللغة تغني، وتنقل بأمانة وثقة معنى وقوة وضرورة الأعمال التي يعيدون صياغتها باللغة الإنجليزية؛ ورد فعل عميق (سلبي) على الترجمات الرديئة، التي تؤلمني. أخبرتني ليديا ديفيس أنها أيضًا تدرك خطورة ما نسميه «ترجمة».

 تعكس المقابلات التي تتضمنها هذه السلسلة، بدءًا من ليديا ديفيس، رغبتي في التعلم قدر المستطاع من هؤلاء الأساتذة، وأن أشارككم بعض أسرار فنهم: فأنا أردت ترجمة المترجمين.

منذ أن ترجمت كونستانس جارنيت عظماء روسيا قبل قرن من الزمان، لم تحظ مترجمة واحدة بالتقدير الذي تتمتع به ليديا ديفيس اليوم. أضيفت ترجمتها لرواية «طريق سوان» لبروست (2003) و«مدام بوفاري» (2010) لفلوبير إلى الكلاسيكيات في الحال.

لكنها عملت كمترجمة لأكثر من ثلاثة عقود قبل أن يذيع صيتها بترجمة هذه الروائع باللغة الإنجليزية. ومع ذلك، فإن شهرتها لا تُعزى حصرًا إلى موهبتها في الترجمة. تعد «ديفيس» أيضًا كاتبة روائية تحظى بتقدير عظيم – وتشتهر بمجموعاتها من القصص الساخرة والقصيرة جدًا (بعضها عبارة عن جملة أو اثنتين فقط)؛ نوع يُطلق عليه أحيانًا خيال الومضة. تعيش مع زوجها الفنان «آلان كوت»، في ولاية نيويورك، وهي امرأة هادئة وحكيمة ودافئة وثرية بشكل ملحوظ.

 وفي عام 2013، فازت بجائزة مان بوكر الدولية عن مجمل أعمالها. وفي عام 2015، منحتها الحكومة الفرنسية وسام الفنون والآداب.

ليزل شيلينجر: متى بدأت الترجمة؟

ليديا ديفيس: يسعني القول بدأت في الكلية. ذهبت إلى كلية «بارنارد»، ونشرت قصائد نثرية لـ «بلاز سندرار» في مجلة «كولومبيا ريفيو». كان ذلك عام 1969، على ما أعتقد.

* ما الذي دفعك لترجمتها؟

بمجرد أن طلب مني أحد ما ذلك- لا أتذكر إذا كان المحرر هو الذي اقترح عليّ ترجمتها، لأنني كنت أدرس الفرنسية. أعلم أنني كنت مهتمة بالترجمة قبل ذلك الوقت، لأنني وجدت مذكرات كنت أحتفظ بها منذ المدرسة الثانوية كتبت فيها أنني قد أرغب في أن أصبح مترجمة في يوم من الأيام. أحببت اللغات؛ لقد تعلمت الألمانية عندما كنت طفلة في السابعة من عمري، والفرنسية عندما كنت في العاشرة من عمري. كانت قصة «سيندرار» قطع صغيرة، وترجمتها لمتعتي فقط.

* قلت إنك أحببت اللغات الأجنبية، فماذا أعجبك فيها؟

اللغات الأجنبية بالنسبة لي: عشت لفترة من الوقت في جراتس [النمسا] عندما كنت طفلة، وكان والداي قد انتقلا إلى هناك. أدخلوني إلى مدرسة حيث كان التحدث والتعليم باللغة الألمانية. لم يكن المعلم يعرف الكثير من اللغة الإنجليزية، لذلك تعين عليَّ بذل مجهود خاص. أعتقد أن سحر حقيقة أن هؤلاء الأطفال كانوا يثرثرون ويضحكون ويطلقون النكات التي لا تعني شيئًا بالنسبة لي قد أذهلني حقًا. أعتقد أن هذا زرع جهاز انذار صغير بداخلي. لدي بعض الكتب في الطابق العلوي من بيتي كنت أملكها منذ ذلك الحين -منها ماكس أوند موريتز وستروويلبيتر- الكتاب الشهير الذي ترك تأثيرًا كبيرًا عليَّ.

*هل صار لديك مترجم مفضل فيما بعد؟

لا أستطيع حقًا أن أقول ذلك، هذا هو الأمر الشاق فيما يتعلق بالذاكرة: لدي هذا الدليل الذي فاجأني، من تدوين اليوميات، أنني أعرف من هم المترجمون، وأنني قد أرغب في أن أكون واحدة منهم، لكن ليس لدي أي شيء يتجاوز ما ورد في اليوميات. أعلم من مذكرات أخرى أنني قرأت «مدام بوفاري» باللغة الإنجليزية عندما كنت في الثالثة والعشرين من عمري، ولم أحبها بشكل خاص، لكن لم يخطر ببالي، أو على الأقل لم أكتب في المذكرات، أن المشكلة قد تكون في الترجمة. أول رواية كاملة ترجمتها كانت رواية «حكم الإعدام» لـ موريس بلانشو (L’Arrêt de Mort)

بعد الجامعة في عام 1978. لم تكن لديّ أي درجة علمية وقتها، حتى درجة الماجستير. كنت أعيش في فرنسا، ربما في أوائل السبعينيات، عندما كنت أعمل على رواية «بلانشو» هذه. كما شاركت في ترجمة كتب أخرى. لقد أحببت الكتاب، وفي تلك المرحلة كنت أعاني من صَدّة الكتابة، لذا اعتقدت أن الترجمة ستكون بمثابة الحل الوسط، لأنني سأكتب، لكن النص سيكون موجودًا بالفعل.

بدءًا من التخرج من الجامعة، عملت كمترجمة مستقلة معظم حياتي، عادةً من الفرنسية. بعض الكتب أثارت اهتمامي والبعض الآخر لم يعجبني. لفترة طويلة، كانت الترجمة مصدر دخلي الرئيسي. ثم، في عام 1981، بدأت التدريس في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو، ومنذ ذلك الحين، جمعت بين الترجمة والتدريس والكتابة. في نهاية المطاف، تحول التوازن في وقتي وطاقتي إلى الكتابة، لكنني ما زلت أقوم بالتدريس وما زلت أترجم.

* ما الذي يعجبك في الترجمة؟

أنا أحب اللغة الإنجليزية. أعلم أن بعض الناس يتجهون إلى الترجمة لأنهم يحبون اللغات الأجنبية، لكني أحب اللغة الإنجليزية قبل كل شيء، وأستمتع بترجمة هذه النصوص الأجنبية إلى لغتي الإنجليزية المحببة. أنا أستمتع بهذا الجانب من الترجمة، فهي شكل من أشكال الكتابة لا تنطوي على التفكير أو ابتكار القطعة المكتوبة. أنا أيضًا أحب الجانب الملغز منها. أنا من محبي الألغاز – أحيانًا الكلمات المتقاطعة، والصور المختلطة والشفرات ولكن بشكل خاص الألغاز الرقمية، لأنها لا تتضمن كلمات. الترجمة هي شكل من أشكال الكتابة ولغز يجب حله: هذه جملة؛ ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية. القيود يمكن أن تكون مفيدة للغاية.

* كم كتابًا ترجمت، بشكل تقريبي فضفاض؟

العدد ليس فضفاضًا إلى هذا الحد، لأنني أحتفظ بقائمة مراجع مستمرة. لقد ترجمت حوالي 35 كتابًا. أحد المترجمين الذي يبدو لي غزير الإنتاج بشكل مثير للدهشة هو ميخائيل هوفمان – ليس ثمة ترجمة جديدة له فحسب، بل يكتب أيضًا المقالات والشعر والمراجعات. هو مذهل؛ إنه ثنائي اللغة حقًا.

* من أي اللغات تترجمين؟

من الصعب إجابة هذا السؤال، لأنني تحولت الآن من ترجمة الفرنسية فقط إلى تعلم لغات أخرى. وحتى الآن هي قائمة متزايدة. إلى جانب اللغة الفرنسية، درست، إما في دورة تعليمية أو بمفردي، الألمانية واللاتينية والإيطالية والإسبانية وغيرها. كتابي القادم، في الواقع، سيكون عبارة عن مجلد قصصي ثنائي اللغة باللغتين الهولندية والإنجليزية من تأليف أ. إل. سنايدر.

* متى تعلمت اللغة الهولندية؟

منذ حوالي أربع أو خمس سنوات.

* لماذا؟

لقد اتخذت قرارًا، قد لا أستطيع الالتزام به، بأن أحاول ترجمة قطعة واحدة على الأقل من الكتابة، مهما كانت قصيرة، من أي لغة أجنبية تُرجمت أحد كتبي إليها.

وفي الآونة الأخيرة، قررت أيضًا أن أترجم الأعمال القصيرة فقط، حتى من الفرنسية. طلبت توصية بكاتب هولندي، وهكذا عرفت عن سنايدر الذي يكتب قصصًا قصيرة جدًا. سيُنشر هذا الكتاب ثنائي اللغة بواسطة AFdH وهي دار نشر بالنمسا. ثم انتقلت من الهولندية إلى النرويجية، دون دروس ودون قاموس. الحيلة هي أن تبدأ القراءة وتعمل بجد لمعرفة ما تقرأه. إنها متعة رائعة وأوصي بها. لقد قرأت أربعة كتب باللغة النرويجية الأصلية من تأليف داج سولستاد، وهو كاتبهم المعاصر الأكثر احترامًا. لم أترجمه، لكني قرأت أربعة من كتبه. لقد قرأت اللغة النرويجية في كل من لغة البوكمال، وهي اللغة الأقدم والأكثر استخدامًا، وكذلك لغة النينورسك. لقد ترجمت حتى الآن قطعة كتابية واحدة على الأقل من حوالي ثماني لغات مختلفة: الفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والهولندية، والنرويجية، والبرتغالية، والسويدية، والكتالونية، إذا قمت بتضمين قصيدة واحدة إلى هذا العدد.

*هل قرأت شيئًا للكاتب النرويجي كارل أوفه كناوسجارد؟

لقد قرأت المجلدين الأولين من كفاحي.

* ماذا ستترجمين بعد ذلك؟

في الوقت الحالي، أراجع كتاب لميشيل ليريس كنت ترجمته منذ سنوات عديدة. لقد انتهيت من مسودتين منذ حوالي 18 عامًا ثم وضعتهما جانبًا لأتفرغ لترجمة بروست، ولم أعد إليها حتى الآن. سيكون الكتاب لصالح دار نشر جامعة ييل. إنه المجلد الثالث – الألياف أو Fibrilles بالفرنسية – من العمل المكون من أربعة مجلدات، «قواعد اللعبة»، والذي أطلق عليه ليريس اسم مقال السيرة الذاتية.

كتب قبل ذلك المجلد كتاب ذو صلة، وهو كتاب «الرجولة»، ترجمه ريتشارد هوارد.

* عندما تنظرين إلى المسودة القديمة، هل يمكنك أن تري ما الذي منعك عندما عملت عليها في الأصل؟

 بإمكاني معرفة متى يكون المقطع صعبًا حقًا أو الموضع الذي لم أبذل فيه جهدًا كافيًا. ما زلت لم أنته من الأمر تمامًا. ما زلت أصادف جمل صعبة للغاية وأقرأها كما «المترجمة»، وأشعر بالإحباط، ولكن بعد ذلك، أصادف مقاطع جيدة. فثمة مصارعة صغيرة تجري مع ذاتي القديمة.

* ما  أكثر كتاب أحببتِ ترجمته؟

يدهشني، ربما لأنني عملت على ذلك في الآونة الأخيرة، أنني أحببت ترجمة بعض القصص الألمانية للكاتب السويسري بيتر بيكسل، وتأثرت بها جدًا. لا يوجد كتاب أحبه أكثر من الآخر. نُشر اثنان منهم في مجلة «باريس ريفيو» في ديسمبر الماضي. لم أتواصل مع «بيكسل» حتى الآن. ولا بد من قول أن المحطة المهمة الأخرى هي جمل «بروست» الغنائية للغاية.

* كيف يبدو العمل مع المؤلفين الأحياء؟

لم يكن الأمر مختلفًا تمامًا، لأن المؤلفين القلائل الذين ترجمت أعمالهم متواضعين للغاية ومنطوين على أنفسهم، مثل سنايدر وبلانشو لذلك سيقولون: «أيًا كان ما تعتقدين أنه الأفضل، فهو عملك أنتِ»، ستكون إجابتهم هكذا نوعًا ما. كان لدي أصدقاء لديهم تجارب مختلفة تمامًا مع المؤلفين، والذين يقولون لهم: «لا، هذا ليس هكذا على الإطلاق»، ويجبرونهم فعليًا على الكتابة بطريقة لا تجعلهم سعداء بالكتابة.

لقد مررت بأوقات تمنيت فيها لو كان المؤلف لا يزال على قيد الحياة، خاصة في حالة ميشيل ليريس، لذا كان بإمكاني أن أسأل: «ماذا كنت تقصد بالضبط؟» في الواقع، أرسل لي ليريس بضع بطاقات بريدية، احتفظت بها في أُطر جميلة. خط يده رائع، خط يد لرجل عجوز، خط عنكبوتي بحبر أسود. على ما أذكر، قال شيئًا مثل: «أنا هنا للمساعدة بأي طريقة ممكنة». لا أعتقد أنني استفدت من عرضه، وهو أمر نادمة عليه الآن. كان يعرض المساعدة بشكل عام، ولم يوضح نقطة ما.

* ما الذي لا يعجبك في الترجمة؟

الإحباط الخالص: إنها ممارسة محبطة، لأن جملة واحدة ستخرج بشكل جميل، والجملة التالية ستكون صعبة للغاية، وقد ينتهي الأمر إلى شيء لست سعيدة به حقًا، لكن لا يمكنك التوصل إليه بأي شيء أفضل. يتفق الكثير من الناس على أن الترجمة تتعلق في الواقع بالتسوية والمساومة؛ لا يمكنك الحصول على المعنى بالضبط إلا إذا ضحيت بتجانس المجاز والعكس صحيح. تعتبر القيود التي تواجهها طاعنة ومثيرة، ولكن الجانب الآخر من ذلك هو أنها ربما لا تسفر عن إجابات جيدة جدًا.

هناك مشكلة أخرى، حدثت فيما مضى، وهي أنني مترجمة مستقلة، لم يكن بإمكاني الاختيار بشأن الكتب التي أترجمها، لذلك كان الشعور بالملل بترجمة بعض الكتب أمرًا شاقا للغاية. في بعض الأحيان، شعرت وكأنني آلة: أدخل النص فيها وسيخرج باللغة الإنجليزية. لم يكن هذا النوع من الترجمة يبدو وكأنه فن، لكنني بذلت قصارى جهدي على الدوام.

* لماذا يجب على الناس قراءة الأعمال المترجمة؟

أعتقد أن القراء الأمريكيين أو الناطقين بالإنجليزية معزولون للغاية؛ نحن لا ننشر الكثير من الترجمات، من بين الكم الهائل من الأدبيات التي ننشرها، فنحن معزولون ثقافيًا كليًا. نحن بحاجة إلى القراءة والانغماس في الثقافات الأخرى للاستمتاع بثرائها، من الفظيع للغاية عدم قراءة ترجمات الأعمال المكتوبة أصلاً بلغات أخرى، والاقتصار على الأعمال المكتوبة باللغة الإنجليزية.

* ما أهم ترجماتك في نظرك، ولماذا؟

في أواخر التسعينيات، دُعيت لأكون جزءًا من مشروع بينجوين الجديد لترجمة بروست، وكانت تلك بالتأكيد نقطة مهمة. بعد ذلك، يتعين علي قول إن كان هناك عمل آخر هو «مدام بوفاري» لفلوبير؛ لذلك لديك قمتان في سلسلة الجبال. أعتقد أن ترجمة بروست كانت حقًا الترجمة الأولى التي أمضيت فيها كل الوقت الذي تطلبته، لذلك قد أقضي يومًا كاملًا في قراءة كلمة واحدة أو جملة واحدة وأبحث في أصول الكلمات الفرنسية. لم يسبق لي أن فعلت ذلك من قبل. لقد بحثت عن أصول اللغة الإنجليزية ولكن ليس الفرنسية. ولكن بعد ذلك، كانت هناك تحفة فلوبير -التحفة الأخرى- التي كانت مختلفة تمامًا من حيث الأسلوب. وكان ذلك مثيرًا للاهتمام أيضًا.

* ما العملية التي تتبعينها عند إجراء الترجمة؟

لقد اختلفنا أنا وإديث جروسمان حول هذا الأمر لوقت قريب، ولكنني في الغالب أحب الترجمة دون قراءة النص مسبقًا. الآن، لن أقول إن هذا صحيح بالنسبة لأقصر القصص القصيرة التي أترجمها، لكن عندما كنت أترجم الروايات، وهذا يشمل بروست وفلوبير، لم أكن أقرأ النص أولًا. كان هذا مهمًا جدًا بالنسبة لي، لأنه سمح لي بالاحتفاظ بالإثارة نحو المجهول. لقد أبقاني منخرطة فيما أترجم بشكل كامل. الشيء الآخر المهم بالنسبة لي هو عدم كتابة مسودة أولى متسرعة. يجب أن تُكتب بشكل جيد من المرة الأولى، هذا لا يعني أنني أنقح كل فقرة بشكل مكثف قبل أن أنتقل إلى الفقرة التالية؛ فقط تكون الفقرة ملائمة، حتى لا أشعر بالحرج إذا نظر إليها شخص ما – لذلك لن أحرج نفسي بوضع نسخة ضعيفة أولية. تميل أذني إلى الاحتفاظ بالأشياء بالضبط؛ إذا كنت سأكتب نسخة تقريبية أو قبيحة، فقد تطبع في ذهني . لذلك هذا سبب آخر كي لا أكتب أي شيء ضعيف حقًا، حتى كمسودة عمل، لأنه قد لا يمحى من ذاكرتي.

وللسبب نفسه، عندما كنت أترجم «مدام بوفاري»، التي كان لها نحو 20 ترجمة سابقة، لم أقرأ أو حتى أنظر إلى الترجمات الأخرى وقت كنت أكتب المسودة الأولى، لأنني لم أكن أريدها أن تبقى في ذهني.

* ما هو نهج إيدي؟ بالطبع سأسألها أيضًا!

إيدي – في مرحلة ما، كنا في حلقة نقاش معًا، وكانت تقريبًا مصدومة لأنني لا أقرأ النص أولًا، لكنها كتبت لي بعد عام أو عامين وقالت إنها تتبنى الآن الترجمة بهذه الطريقة – على الأقل هذا ما أذكر أنها قالته.

*ما الشيء الذي يجعل الترجمة جيدة؟

هذا سؤال صعب. ثمة العديد من التراجم المختلفة، والعديد من الأعمال المختلفة. على سبيل المثال، عندما ترجمت باربرا رايت كتاب ريمون كينو «تمارين في الأسلوب»، كان عليها أن تعيد صياغته باللغة الإنجليزية بشكل جذري للغاية، وأن تستخدم اللغة الإنجليزية العامية، وأن تعيد صياغتها باللغة الإنجليزية الفصيحة؛ لذا فهذا مشروع مختلف تمامًا عما كنت أعمل عليه. كنت أحاول البقاء قريبة جدًا من الفرنسيين وألا أعيد صياغتها باللغة الإنجليزية. حقًا، من الصعب قول ذلك. إذا قُرئ العمل بسلاسة، فهذا لا يعني بالضرورة أن الترجمة جيدة. يجب أن يكون أقرب ما يكون إلى الأصل ولكن باللغة الإنجليزية الحية، وليس الإنجليزية الهامدة.

* ما الذي يجعل الترجمة سيئة؟

هناك نسخة واحدة من رواية «مدام بوفاري» يمكنني القول بأن ترجمتها أزعجتني، دون تسمية المترجم – تبدو اللغة الإنجليزية متكلفة ومربكة. وترجمة أخرى تبتعد كثيرًا عن الأصل دون داع. أعتقد أنه يمكنك أن تكون قريبًا ومخلصًا دون أن تكون مقلدًا بغشاوة أو متكلفًا.

* هل تعتقدين أن المترجمين يحظون باحترام أكبر في الآونة الأخيرة مما كانوا عليه في الماضي؟

أعتقد أنهم يحظون باحترام أكبر في الآونة الأخيرة، لكن لا يمكنني الاتفاق مع ذلك. عندما تفكرين في عمل قرأته مترجمًا، فإن كل الكلمات، وكل النص، هو ملك للمترجم. نحن نعلم أن الإصدارات المبكرة من كافكا والكُتاب الروس كانت تحتوي على أخطاء إلى حد ما وغير مخلصة إلى حد ما، ومع ذلك كانت النسخ الأصلية قوية جدًا لدرجة أنه كان من المهم الحصول على أي ترجمة بدلًا من الحصول على ترجمة «مثالية».

* على سبيل المثال، يجد الكثير من الناس خطأً في ترجمات كونستانس جارنيت للكلاسيكيات الروسية، لكن الكثير من الناس يحبونها أيضًا. هل تغيرت نوعية الأشخاص الذين يترجمون؟ هل كانت مرة أخرى هواية للأشخاص أصحاب وقت الفراغ أكثر من كونها مهنة أو ممارسة أدبية جادة؟

قبل خمسين أو سبعين عامًا، كان ثمة عدد أكبر من الشعراء في أمريكا يترجمون، وحاليًا العدد أقل بكثير الآن. لا أعرف كم عدد الكتاب المترجمين أيضًا. أعتقد أن أخلاقيات الترجمة قد تغيرت. على سبيل المثال، سمعت كونستانس جارنيت تعمل بسرعة كبيرة، وإذا توصلت إلى عبارة فشلت أمامها حقًا، فسوف تتخطاها. لن نشعر بأننا على حق في القيام بذلك اليوم. وعندما كان آل موير يترجمون كافكا (كان إدوين وويلا موير أول من ترجم رواية القلعة لكافكا إلى الإنجليزية، في عام 1930، وترجما أيضًا العديد من قصصه القصيرة)، كانوا يكيفون أسلوبه بحيث يكون أكثر قبولًا باللغة الإنجليزية. لا أعتقد أن أخلاقياتنا الآن في اللغة الإنجليزية ستسمح بذلك. لدينا نهج مختلف، وهو أكثر إخلاصًا وأكثر اكتمالًا. لمحاولة الإجابة على سؤالك بشكل أكثر دقة حول ما إذا كانت الترجمة أكثر شهرة اليوم؛ أعتقد أن عدد المجلات المخصصة للأدب المترجم أكبر مما كان عليه من قبل؛ أرى انتشارًا للمطابع -والمجلات الإلكترونية- التي لم تكن موجودة قبل 20 عامًا، والتي كانت مخصصة بالكامل للعمل في مجال الترجمة، مثل Archipelago» الأرخبيل»، على سبيل المثال. وهذا دليل على الفهم المتزايد لأهمية قراءة الكتب المترجمة.

* ما الأدوات أو القواميس التي تعتمد عليها في ترجماتك؟

في مراجعة «ليريس» هذه، أستخدم القواميس عبر الإنترنت وأبحث عن بعض الأمور عبر جوجل لكن بين الحين والآخر لا أستطيع العثور على شيء ما عبر الإنترنت، وأعود إلى قواميسي القديمة المطبوعة، وهما مجلدان من قواميس هاراب و روبرت بيتي Harrap, Petit Robert. ومع ذلك، لا أستطيع دائمًا العثور على الإجابة في قواميسي الورقية أيضًا. بالنسبة للترجمة الهولندية، بدأت باستخدام قاموس جيب صغير ثم انتقلت بسرعة كبيرة إلى بعض القواميس الرائعة عبر الإنترنت.

* هل تعتقدين أن هناك بعض السمات الشخصية التي يشترك فيها جميع المترجمين؟

ليتني أستطيع الاعتقاد بذلك، باستثناء أننا جميعًا مختلفون نوعًا ما. لقد التقيت بميخائيل هوفمان، وأعرفه قليلًا. أعرف إديث جروسمان، لكني لم أقابل دون بارتليت. كنت سأقول إننا جميعًا نتجاهل أنفسنا قليلًا، لكنني لست متأكدة من صحة ذلك حقًا. نحن على استعداد لوضع ذواتنا جانبًا، والاستثمار في العيش في جسد شخص آخر، بطريقة أخرى. ليس الجميع على استعداد للقيام بذلك، لكننا على استعداد لأن نكون متكلمين من بطوننا، للتحدث بصوت كاتب آخر. قد يشير ذلك إلى أننا يمكن أن نكون متواضعين بما يكفي حتى لا نفرض أسلوبنا الخاص على قطعة نثر، لكنني لا أعرف؛ عندما أقول إننا جميعًا متواضعون، لا أظن أننا كذلك.

* كيف تختلف الترجمة، من الناحية الإبداعية، عن كتابة عملك الخاص؟

لا نحمل قلق الاضطرار لخلق نص نثري جديد من اختراعنا.

* متى تعتقدين أن إعادة الترجمة مبررة؟

لا أعتقد أن هناك حدودًا خاصة. صدرت ترجمة أخرى لرواية «مدام بوفاري» بعد عام تقريبًا من ترجمتي، وكانت هناك ترجمة أخرى قبل ترجمتي بسنتين. في بعض الأحيان، يبدو أن كل ناشر يريد أن يكون له كتابه الخاص. وهذا ما سمعته. لا أعتقد أنها مشكلة. لا أعتقد أن هناك حدًا. هناك حد طبيعي وفقًا لما سيكون الناشرون على استعداد لإنفاقه أو استثماره، ولكن ليس أبعد من ذلك. أعتقد أنه يمكنك الحصول على ترجمة واحدة مذهلة تصلح لجميع الأوقات، ولكن إذا كانت ترجمة تمت في عام 1850، فربما تريدين ترجمة أخرى أو اثنتين. لماذا لا يكون لدينا واحدة أخرى في عام 1920 وأخرى في عام 1980؟ لا أعتقد أنه يجب أن يكون هناك أي حد لعدد ترجمات الكتاب الجيد.


* الترجمة خاصة بترجمان

** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها

اترك تعليقاً