حوار مع المترجم | كتاب “عن الأسى والتأسِّي” من ترجمة شادي عبد العزيز

حوار مع المترجم | كتاب “عن الأسى والتأسِّي” من ترجمة شادي عبد العزيز

نتحدث في هذا الحوار مع المترجم شادي عبد العزيز عن ترجمته لكتاب “عن الأسى والتأسي” لإليزابيث كوبلر-روس وديفيد كيسلر، الصادر عن دار ديوان عام 2024. شادي عبد العزيز، طبيب ومترجم وكاتب. ترك الطب نهائيًا إلى الترجمة، وتخصص في الترجمة الطبية. يقول شادي، “يعد عن الأسى والتأسي أحد من أهم المشاريع التي استمتعت بها وأحب أن أعرّف نفسي بناءً على مشاركتي فيها هو مشاركتي في ترجمة النسخة العربية من موقع ويب Mayo Clinic. “عن الأسى والتأسي” هو أول كتاب أترجمه كاملًا، لكني داومتُ على نشر ترجماتي في مجلات ومواقع إلكترونية، منها (هامش للترجمة) على فيسبوك، وأُلترا صوت، والعربي الجديد، والقدس العربي، وغيرها”.

  1. هل يمكنك أن تقدم لنا نبذة عن الكتاب ومؤلفته؟

الكتاب بعنوان (عن الأسى والتأسي) أو بالإنجليزية (On Grief and Griefing). يقوم الكتاب على فكرة الأسى والتأسي كصيرورة مفيدة لإعادة بناء العالم مرة أخرى بعد الفقد. ليس بالضرورة أن يكون الفقد سببه موتًا ما، فكل ما له مكانة جوهرية عند المرء قد يؤدي فقده إلى الأسى. كتبت إليزابيث كوبلر-روس هذا الكتاب بالاشتراك مع ديڤيد كيسلر، وكوبلر-روس هي صاحبة نموذج كوبلر-روس الشهير لمراحل الأسى الخمسة: الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والتقبّل، أما كيسلر، فيرى وجود مرحلة خامسة هي “اكتشاف المعنى” وراء كل ذلك. الأسى كذلك تجربة عامة، نمر بها جميعًا شئنا أم أبينا، لكن كل أسى يختلف عن غيره كذلك، فليس بالضرورة أن يمر كل شخص بالمراحل الخمسة بالترتيب، وليس بالضرورة أن تتماثل تجربتَي أسى لشخصين مختلفين. 

إليزابيث كوبلر-روس: طبيبة نفسية سويسرية أمريكية، اشتهرت بكتابتها عن التعامل مع الموت والاحتضار والفقد، وبنموذجها المذكور أعلاه لمراحل الأسى الخمسة.

ديڤيد كيسلر: كاتب وخبير بالتعامل مع الأسى والفقد، وناشط في مجال تقديم الرعاية للمحتضرين، وحقوق مرضى الإيدز.

كتب الاثنان (كوبلر-روس وديڤيد) كتابين معًا: أحدهما هو موضوع حوارنا والثاني بعنوان Life Lessons (دروس الحياة).

  1. لماذا اخترت هذا الكتاب لترجمته؟

مررتُ بتجربة شخصية مع الفقد مؤخرًا، حين تُوفي صديقي، محمد أبو الغيط، بالسرطان قبل عام من الآن. دفعني ذلك إلى محاولة فهم مشاعري الشخصية، وعادةً ما ألجأ إلى الكتب لفهم العالم، فبحثت عن الكتب التي تناولت هذا الموضوع، وكان الكتاب متاحًا في نسخته الصوتية على تطبيقي المفضل، فأنهيته سماعًا، وأفادني في عقلنة ما أمر به.

حينها أردتُ نشر مقتطفات من الكتاب على صفحة لي على فيسبوك، بعنوان هامش للترجمة، أترجم فيها نصوصًا أختارها بنفسي. ومحمد لم يكن صديقي وحدي، وكان حولي الكثيرون ممن يمرون بنفس التجربة. كانت تجربة أسى مشترك واسعة النطاق. فحاولت أن تكون تجربة التأسي كذلك مشتركة وواسعة.

حين نشرت المقتطفات الأولى، جاءتني رسائل شخصية من كثيرين، بعضهم لم يكن من أصدقائي المقربين. كان الكل يحكي عن تجربته الشخصية مع فقد ما، ويطلب المزيد من المقتطفات بالعربية. فكررت الترجمة مرات بعدها، وبينما أحكي لصديقي، أحمد جمال عز، عن هذه التجربة، اقترح أن أترجم الكتاب، وأن يتولى نشره من خلال عمله كمدير للنشر في ديوان للنشر، فكان هذا الكتاب. 

حين انتهيت من الترجمة، شعرتُ أن هذا الكتاب سيكون كذلك عزاءً لبِنتَيّ بعد غياب سيحدث يومًا ما. ربما كانت بِنتَيّ هما بشكل أو بآخر من ترجمتُ هذا الكتاب لأجلهما.

  1. ما التحديات التي واجهتها أثناء ترجمة الكتاب؟

التحدي الأكبر لي كان شخصيًا تمامًا، وهو أن أجد الوقت اللازم أصلًا لإنهاء الكتاب في توقيت يسمح بنشره في معرض القاهرة الدولي للكتاب. 

أنا مدمن عمل، وتفاقم هذا الإدمان مع تجربة الفقد، فكنت أتنقل ما بين عملي الأساسي كمترجم طبي، وكتابة المحتوى لعدد من البرامج، وتجربة في الأداء الصوتي، وترجمة هذا الكتاب، مع دوري كزوج وأب لطفلتين. ولحسن الحظ، تفهمت زوجتي ما أمر به، وتحملت الكثير بينما أتعامل مع أسايَ الخاص بطريقتي.

أما فيما يخص عملية الترجمة نفسها، فالتحدي المكرر لأي مترجم طبي أو علمي هو الموازنة بين دقة المصطلحات وسلاسة النص ويُسر الفهم للقارئ غير المتخصص. للأسف، أغلب القواميس الطبية، وأشهرها القاموس الطبي الموحد الصادر عن منظمة الصحة العالمية، لا تخضع للتحديث بالمعدل الكافي، فإذا كان الاعتماد عليها وحدها، سيؤدي ذلك إلى نص غير مفهوم للقارئ غير المتخصص غالبًا أو إلى ترجمة متيبسة بعيدة عن روح عصرها.

  1. ما مشروعاتك القادمة في الترجمة؟

أنا مشغول عمومًا بمساحة يتداخل فيها الطب وعلم النفس والتنمية الذاتية. تلك مساحة فيها الكثير جدًا من الكتب، لكن فيها الكثير جدًا من كتب العلوم الزائفة (Pseudoscience) كذلك، والكثير من الوصفات الجاهزة لحياة مثالية. يمكن بأريحية أن نقول إن الكثير من هذه الكتب حافل بالنصب الصريح.

أتمنى ترجمة كتاب آخر _على الأقل_ في نفس الموضوع: الأسى، فالمكتبة العربية تفتقد إلى كتب مفيدة تتعامل مع هذا الموضوع دون الإغراق في العظة، ودون الميل إلى الوصفات الجاهزة، وفي النهاية، فكتابي المترجم ليس حلًا جامعًا لكل من يمر بالأسى. هو فقط مفيد، أو هذا ما أتمناه، لكن هناك زوايا أخرى للأسى أحب استكشافها.

  1. ما الذي جعلك تتجه لمهنة الترجمة؟

الصدفة.

عرض عليّ مترجم صديق مساعدته في عمل يخصه ليلحق بموعده النهائي. ربما توسم فيّ خيرًا أو ربما كنت أنا الوحيد المتاح لمد يد العون. 

أنا طبيب في الأصل، والطب _غالبًا_ لا يترك مساحة كبيرة لغيره. 

حين اخترتُ ترك الطب والتفرغ للترجمة، كان هدفي الأول من ذلك أن أقضي أطول وقت ممكن مع أسرتي، ثم أن أتبع نمط الحياة الذي أحبه، فأقرأ وأكتب وأمارس الرياضة بانتظام. وهذا ما كان.

  1. ما التحديات التي يواجهها المترجمون إلى العربية؟

التقدير المادي للمترجم في زمن التضخم واحد من أهم التحديات.

المقابل المادي للمترجمين عمومًا يحتاج إلى إعادة نظر، لكن إعادة النظر هذه أولى كذلك حين تتغير أسعار العملة الوطنية بسرعة من يوم لآخر. في هذه الحالة، فتأخير الناشر في سداد أجر المترجم ينطوي على ضرر بالغ.

نفس الظروف الاقتصادية تفرض على المترجم في كثير من الأحيان ترجمة عمل بعيد عن اهتماماته. المترجم المحترف غالبًا سينتج عملًا جيّدًا حتى مع عدم اهتمامه شخصيًا بموضوع الكتاب، لكن مجرد شغف المترجم بعنوان ما أعتقد أنه سيرتقي بالجودة إلى مرتبة أعلى من مجرد “ترجمة جيّدة”.

جدير بالذكر أن ناشر (عن الأسى والتأسي) كان _على النقيض_ على نفس درجة الشغف بالكتاب، وكانت التجربة إجمالًا تجربة مريحة وتُشجع على تكرارها في كتب أخرى.

7. هل يمكن أن تصف لنا طريقتك في الترجمة، مثلًا كم مسودة تعمل عليها؟ وما القواميس أو المراجع التي تعتمد عليها؟”

أفضل قراءة الكتاب مرتين قبل بدء الترجمة.

أعمل على ثلاث مسودات على الأقل.

في المسودة الأولى، لا أقف أكثر من اللازم أمام ما يحيّرني أو ما لا أثق في ترجمتي له. أستخدم التعليقات والهوامش وخصائص الوورد المختلفة لترك إشارات في المواضع التي أراها في حاجة للمراجعة، وأتركها للمسودة الثانية.

في المسودة الثانية، أقارن النص الإنجليزي بمقابله العربي، وأراجع ما تركت لنفسي من ملاحظات وإشارات، وأستشير من أثق بهم من الأصدقاء في بعض ذلك.

أترك المسودة لفترة، ثم أعود إلى مقارنة النصين مرة أخرى، ومراجعة نفس الملاحظات السابقة واستشارة نفس مجموعة الأصدقاء. ترك النص “يَبرَد” قبل العودة إليه يسهل اكتشاف أي أخطاء فاتتني في المراجعة السابقة.

أما المرحلة الأخيرة، فهي مراجعة النص العربي وحده، بهدف التأكد من سلاسة القراءة و”ألّا يبدو مترجمًا جدًا”.

طبعًا، لا يخلو الأمر من العودة مرات ومرات لتعديل فقرة أو كلمة أو عنوان، لمجرد خاطر أو قلق مفاجئ، وقد تكون للناشر أو للمحرر أو للمصحح اللغوي ملاحظات نناقشها في مراحل لاحقة كذلك.

اترك تعليقاً