<strong>كيف تترجم | التحويل الشيوعي communization</strong>

كيف تترجم | التحويل الشيوعي communization

بالرغم من أن كلمة communization ما زالت تترجم بالتحويل الشيوعي، فإنها لم تعد تحمل معنى واحدًا بالنسبة إلى جميع الشيوعيين.

كتبه حسين الحاج


كيف نترجم اللاحقة ization- الأمريكية أو isation- الإنجليزية؟

بحسب قاموس ميريام وبستر، تستعمل اللاحقتين في كلتا اللغتين لوصف نشاط أو عملية أو النتيجة من صنع شيء ما في صيغة اسمية، ومثال على ذلك: نترجم realization بكلمة “تحقيق”، أي جعل الشيء حقيقة واقعة real.

نرى في العلوم الاجتماعية والإنسانية اليوم انتشارًا كبيرًا لكلمات ومصطلحات تحمل هاتين اللاحقتين، حيث تصبح الأشياء كلها في صيرورة من التكوين والتشكل والاعتمال، فالعلمانية secularism يصبح علمنة secularization في الدراسات الدينية، والمالي financial يصبح أمولة financialization في العلوم الاقتصادية، والصنمية fetishism تصبح تصنيمًا fetishization في الفلسفة. وفي ذلك يقول جون هولواي في كتابه “غير العالم بدون الاستيلاء على السلطة: معنى الثورة اليوم”:

“وإن نظرنا من هذه الزاوية، فالنقود تصبح تنقيدًا، والقيمة تصبح خلقًا للقيمة، والسلعة تصبح تسليعًا، ورأس المال يصبح رسملة، والسلطة تصبح صناعة السلطة، والدولة تصبح دولنة.. إلخ (بكلمات مستحدثة أكثر قبحًا)”[1].

أما مصطلح التحويل الشيوعي communization فهو ليس مصطلحًا حديثًا، لكنه في الآونة الأخيرة اكتسب معاني مختلفة تمامًا في الأوساط اليسارية عمومًا والدوائر الشيوعية بالتحديد، فقديمًا كان يقصد به تنفيذ البرنامج الكامل للحزب الشيوعي بالمعنى اللينيني (ولاحقًا الستاليني)، وقد كان ذلك مضمون التعريف المعجمي في قاموس ميريام وبستر في طبعة 1961 وحتى طبعة 1993. تتضح مثل هذه التأثيرات اللينينية في الترجمات العربية السياسية والاقتصادية التي أتت مباشرة من الاتحاد السوفيتي، فنجد تفرقة بين الشيوعية كنظام اقتصادي دولتي حديث كالذي يطبقه الاتحاد السوفيتي والمشاعية كمرحلة تاريخية قديمة يجرى وصفها بالبدائية كي تؤكد أنها كانت موجودة قبل قيام الدولة. فما الذي تغير؟ 

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية عمومًا في تسعينيات القرن الماضي، لم يكن من السهل التحدث عن الشيوعية أو حتى الاشتراكية إلا سلبًا باعتبار أن ممثلها الرسمي لم يكن سوى تجربة فاشلة في الواقع السياسي والاقتصادي. لكن بعض الاقتصاديين والمنظرين من اليسار لم يكفوا عن ابتكار مصطلحات جديدة لوصف نماذج اقتصادية وسياسية مستحدثة يمكن أن تمثل بديلًا للرأسمالية المعاصرة مثل نموذج الاقتصاديين مايكل ألبرت وروبرت هانل المسمى بالاقتصاد التشاركي participatory economy. من ناحية أخرى، حيث تجنبا استخدام الجذر social (الاجتماعي) وصنعا من كلمة participation (المشاركة) عنوانًا جديدًا لاقتصادهم الاشتراكي، كذلك عاد يساريون واشتراكيون آخرون إلى جذر كلمة شيوعية من أجل صك كلمات ومصطلحات جديدة تختلف عن المعنى الشائع للشيوعية اللينينية من جهة وتحدد ارتكازهم السياسي بدقة من جهة أخرى.

الجذر المشاعي وتصريفاته الأخرى

يقول المؤرخ الماركسي الأمريكي بيتر لينيبو في الفصل الثاني من قسم “المشاعة” في كتاب “إمسك حرامي! المشاعة، والتطويقات، والمقاومة”:

“يتضمن قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية الضخم من أربع إلى خمس صفحات عن كلمة (مشاعة)، تبدأ بالتعريف، “تنتمي بصورةٍ متساوية لأكثر من واحد”. ونحصل على بعض أقوى كلماتنا من المشاعة commons، من قبيل الجماعة النوعية community، وما ينتمي للجماعة communal، والتمشيع [المشاعية] commonage، وطبقة العامة commonality، والكوميونة commune، والمناولة communion بظلالها الروحية وتواريخها الاجتماعية والسياسية. واشتقاقيًا، فإن هذه الكلمات هي، إذا جاز التعبير، نسلُ أبوين لاتينيين، com بمعنى معًا، و munis بمعنى نوعٍ من الالتزام”.

بالطبع ثمة كلمات أخرى تنحدر من نفس الجذر، ككلمة communication بمعنى التواصل والاتصال، لكنني سأركز هنا على الكلمات المتعلقة بالتيارات السياسية الشيوعية اللاحقة على سقوط الاتحاد السوفيتي. 

في تسعينيات القرن الماضي، قدم المنظر اﻷمريكي موراي بوكشين المحلية المشاعية أو الكوميونالية communalism، ورغم أن كلمة communal عادة ما يقصد بها كل ما ينتمي للمجتمع المحلي إلا أن بوكشين قصد بمصطلحه تطبيقًا شيوعيًا للدولة المدينة كنموذج متجاوز لشيوعية الدولة اﻷمة الستالينية، يعيد بوكشين تقديم البلدة المشاعية (الكوميونة) commune باعتبارها وحدة سياسية أساسية، يفضل أن تكون متحدة في نظام فيدرالي مع بلدات أخرى مماثلة، لكنها تظل وحدة مكتملة في ذاتها. وعلى نطاق أصغر يقدم منظرو المشاعات commons theorists مثل الاقتصادي اﻷمريكي ديفيد بوليار مصطلح المشيعة commoning، وهو مصدر عملية وفعل إنشاء المشاعات، ﻷن من مَشيع شيئًا جعله مشاعًا للناس، حتى أصبحت بعد ذلك عقيدة سياسية اقتصادية تدعى المشيعية commonism. تختلف المشيعية عن المحلية المشاعية في أن البلدة المشاعية (الكوميون) مكونة من مشاعات commons متعددة على مستوى الموارد الطبيعية والصناعية والافتراضية تجمعها وحدة حضرية واحدة.

التحويل إلى ماذا؟ وبيد من؟

لكن حتى الحديث عن الشيوعية بمعناها اﻷممي عاد في صورة مصطلح جديد وهو مصطلح communization الآنف ذكره. يشبه هذا المصطلح مصطلح socialization الذي جرى استخدامه بعدما تحولت دول كثيرة باتجاه أنظمة الرعاية الاجتماعية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ونقل في العربية باسم سياسة التشريك والتحويل الاشتراكي في هذا السياق [2]. يحتمل مصدر شَرَّكَ هذا الاشتقاق في كلمة تشريك، لكن تعدد المعاني في جذر شيَّع كما أسلفنا يفرض علينا استخدام عدد أكثر من الكلمات في ترجمة communization وهي التحويل الشيوعي.

لكن ما التحويل الشيوعي اليوم حقًا؟ إنه نظرية وحركة يتبنى تحرير أدوات الإنتاج والنشاط الإنساني من ملكية وعبودية الطبقة الرأسمالية لهم بلا برنامج سياسي أو مراحل انتقالية، وهو تيار جذري وليد الأفكار الاشتراكية التحررية ومتجاوز لكل التيارات اليسارية القديمة. يعتبر التحويل الشيوعي الحلقة الأخيرة في التاريخ الطويل لليسار الشيوعي الذي انتقده لينين في كتابه “الشيوعية اليسارية مرض أطفال”.[3] خرج تيار التحويل الشيوعي من رحم اﻷزمة اللاحقة على فشل انتفاضة مايو 68 والتحول في طبيعة النضالات العمالية من السبعينيات، ومن ثم يرفض منظرو التحويل الشيوعي الحلول اليسارية الحزبية على وجهيها الرجعيين (الاشتراكية الديموقراطية والماركسية اللينينية) ويعالجون أزمة أقصى اليسار الشيوعي بأطيافه المجالسية وغيرها بحلول راديكالية أكثر. يقول المنظر الشيوعي الفرنسي جيل دوفيه [4] في مقاله عن التحويل الشيوعي:

“الفكرة إلى حدٍ ما بسيطة، لكن البساطة عادةً ما تكون واحدة من أصعب اﻷهداف التي نروم تحقيقها. يعني التحويل الشيوعي أن الثورة ﻻ تصبح شيوعية إﻻ إذا تحولت كل العلاقات اﻹجتماعية إلى علاقات شيوعية. وأن هذا ﻻ يمكن أن يتحقق إﻻ إذا بدأت هذه العملية في اﻷيام اﻷولى للهبة الثورية. كما أنه يجب إلغاء النقود، والعمل المأجور، والمؤسسة كوحدة منفصلة وقطب مراكم للقيمة، ووقت العمل المقتطع من بقية حياتنا، واﻹنتاج من أجل القيمة، والملكية الخاصة، ومؤسسات الدولة كوسيط للحياة الاجتماعية والنزاعات، والفصل بين التعلم والممارسة، والسعي نحو التداول اﻷسرع واﻷقصى لكل شيء. ﻻ يمكن الاقتصار على تعميم إدارة الجمعيات اﻹشتراكية أو التحويل للملكية العامة، وإنما يجب استبدال ذلك بأشكال حياة مشاعية غير نقدية وغير ربحية وغير دولتية. ستأخذ هذه العملية وقتًا ﻹتمامها، لكنها ستبدأ من اليوم اﻷول في الثورة، حيث أنها لن تخلق شروط الشيوعية، بل الشيوعية نفسها”.

يفترض استعمال كلمة “تحويل” في مصطلحنا وجود فاعل نشط في عملية التحول إلى الشيوعية، أي أن الشيوعية لن تتحقق من تلقاء ذاتها، وتعد الطبقة العاملة في هذه الحالة ذلك الفاعل. لذلك يتبع أنصار التحويل الشيوعي communizers شعار الرابطة الدولية للعمال (اﻷممية اﻷولى) في القرن التاسع عشر القائل، “يجب أن يكون انعتاق الطبقة العاملة بيدها وحدها”. يختلف ذلك كليًا عن تعريف الفاعل النشط في عملية التحويل الشيوعي بالنسبة إلى الماركسيين اللينيين الذين يرون أن تحول إلى الشيوعية لن يحدث بلا حزب طليعي.

وهكذا نجد أنه بالرغم من أن كلمة communization ما زالت تترجم بالتحويل الشيوعي، فإنها لم تعد تحمل معنى واحدًا بالنسبة إلى جميع الشيوعيين. 


الهوامش:

[1] ترجم إلى العربية بعنوان “12 أطروحة حول تغيير العالم” عن دار هن 2021.

[2] لكلمة socialization معاني أخرى كثيرة، ففي السياقات التربوية على سبيل المثال تعني التنشئة الاجتماعية.

[3] الشيوعية اليسارية أو اليسار الشيوعي left communism تيار متحرر من حتميات التقدم والمرحلية والانتهازية السياسية الماركسية كما تصف نفسها. ويخضع أفكار كارل ماركس للنقد رغم اعترافه بأهميته الهائلة بسبب رؤيته لعدم اتساق ماركس في مواقفه السياسية والفكرية في مواضع كثيرة. هذا النقد الشيوعي ليس جديدًا على الإطلاق لأنه ظهر من قبل في آراء رواد الأناركية الشيوعية ككروبوتكين وإنريكو مالاتيستا ثم طوره منظري الشيوعية المجالسية بعد الثورة الروسية كأنطون بانيكوك وباول ماتيك.

[4] أحد أهم منظري التحويل الشيوعي منذ صدور أول أعماله عن تاريخ الحركة الشيوعية تحت عنوان “أفول الحركة الشيوعية وإشراقها” في منتصف السبعينيات.


* المقال خاص بموقع ترجمان

** يحتفظ الكاتب بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بمقاله دون إذن منه

اترك تعليقاً