حوار مع المترجم | كتاب “اللاهوت السياسي” من ترجمة عمر شاهين عبد الرازق

حوار مع المترجم | كتاب “اللاهوت السياسي” من ترجمة عمر شاهين عبد الرازق

نتحدث مع المترجم والباحث المصري الشاب عمر عبد الرازق شاهين في هذا الحوار عن تجربته في ترجمة كتاب “اللاهوت السياسي” لسول نيومان الصادر حديثًا عن دار الروافد الثقافية – ناشرون. عمر مهتم بالنظرية السياسية والتراث الإسلامي ويشتغل حاليًا على رسالته لدرجة الماجستير في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

1. هل يمكنك أن تقدم لنا نبذة عن الكتاب ومؤلفه؟

الكتاب هو اللاهوت السياسي – مقدمة نقدية صدر عام 2019 ومؤلفه هو سول نيومان وهو مُنظِر سياسي بعد-أناركي وأستاذ النظرية السياسية في جامعة جولد سميث في إنجلترا وينصب اهتمامه بالفلسفة السياسية القارية ودراسة الأشكال المعاصرة من الفكر السياسي الراديكالي، ونستطيع اعتباره من تيار “ما بعد الأناركية” وهو الذي صك المصطلح بنفسه لذلك تأخذ الأناركية حيزا كبيرا في مؤلفاته سواء بتخصيص كتاب عنها صدر عام 2016، أو في الموضوعات التي يهتم بها من قبيل اللاهوت السياسي والسيادة وحالة الاستثناء وغيرها.

أما الكتاب فهو كما يدل عنوانه: 1. مقدمة بمعنى أنه يضم فصولا تعريفية بموضوعات أساسية لها علاقة باللاهوت السياسي وأهم ما كتب فيه كما سيأتي، و2. نقدية ولكنها هنا ليست من قبيل النقد العام الذي يكتبه باحث أكاديمي ولكن النقد صادر من منظر صاحب موقف ويسوق فصول الكتاب للدفاع عن أطروحته المتعلقة باللاهوت السياسي.

ينطلق الكتاب من إقرار حقيقة أن العلمانية فشلت في أن تحقق الفصل التام بين الدين والحياة العامة والسياسة، وأنها في محاولتها إزاحة اللاهوت تحول إلى شبح يحوم حول الحياة بكافة تفاصيلها ويقبع في زوايا أطروحات الفلسفة السياسية، السياق العام للكتاب غربي محض، بل لا يلتفت إلى ما هو خارج الفلسفة السياسية الغربية الحديثة. ولذلك هو يبدأ من إشكالية اللاهوت السياسي عند كارل شميت، وعلى طول الكتاب نجد أسماء كارل شميت وليو شتراوس وفالتر بنيامين وجورجيو أجامبين تتردد إما صراحة أو بتردد صداها. 

2. لماذا اخترت هذا الكتاب لترجمته؟

لنبدأ من عدم استساغتي للحل الذي قدمه نيومان، وهو ما يطرح السؤال البديهي: لماذا تختار كتابا لا توافق كاتبه على طرحه؟ أولا: يلتقي الدين والسياسة في الفكر الحديث على أرضية اللاهوت السياسي وهي مساحة كان البحث فيها ضئيل عربيا ويكاد ينحصر في قوالب جامدة وعفا عليها الزمن من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ولا ترى النقد الداخلي في الفكر السياسي الحديث، ولم أرَ كتابا يقدم هذا الحقل المعرفي -اللاهوت السياسي- الضروري جدا في الفلسفة السياسية، فبغيابه نحن أمام نتاج بلا سياق ولا جذور. ولذلك أردت أن يكون هذا الكتاب تعريفيا بهذا الحقل، الذي بدأت الترجمات والاشتباكات فيه تظهر مع الوقت، من قبيل ترجمة كتاب اللاهوت السياسي أربعة فصول جديدة حول مفهوم السيادة الذي ترجمه محمود هدهود ونشرته الشبكة العربية للأبحاث والنشر، لكن دعني أقل لك على سبيل المثال، لقد صدر كتاب اللاهوت السياسي لكارل شميت (وهو الكتاب الأبرز والمؤسس لهذا الحقل) منذ عدة سنوات بترجمة ياسر الصاروط ورانية الساحلي عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لكن إحالات الكتاب وسياقه وموضوعه غامض للقارئ العربي المتخصص فضلا عن القارئ العام، لأنها مساحة مجهولة لم تتطرق لها كتابات الفلسفة السياسية العربية. ولذلك كانت هذه أشبه بالمهمة التي أردت بها أن يكون هناك مقدمة عربية لهذا الحقل.

ثانيا: قلت إني لا أوافق على طرح نيومان، وكان هذا تحدي لي، لكن انتمائه الراديكالي الجذري يمنحنا أفضل ما يستطيعون وهو التفكيك والنقد بفهم عميق للكتابات السياسية اللاهوتية، فضلا عن تناوله المتنوع للقضايا التي تمس اللاهوت السياسي من قريب ومن بعيد، وأظننا بحاجة إلى مزيد من هذا النوع من الكتابة التي توازي ترجمة النصوص الأصيلة والمؤسسة. وثالثا: كان لاختيار هذا الكتاب دافع ذاتي، يتعلق بفهم الترجمة فعلا تعليميا. ساقتني دراستي للسياسي والسيادة والعلمانية وسياسات الدين إلى ضرورة فهم اللاهوت السياسي الذي يختلف عن أحاديث علاقة الدين بالسياسة أو السياسة الشرعية التي ذاع صيتها منذ سنوات.

3. ما التحديات التي واجهتها أثناء ترجمة الكتاب؟

لعل هذا أول شيء أترجمه أختلف مع مؤلفه اختلافا واضحا، فلم أتعرض لهذا التحدي من قبل بهذا الوضوح، ولا أدري هل نجحت فيه أم لا، لأنني أظن أني مارست دور الرقيب (بالطبع في كتابة الهوامش مع الحفاظ على المتن كما هو كما تقتضي الأمانة) لكني لم أمارسه خوفا على القارئ من الهرطقة، وإنما بسبب هذا الهاجس الذي كان يحضرني كلما رأيت شيئا يحتاج إلى إيضاح أو تعليق. كلمة الرقيب التي استعملتها هذه لا تخلو من مبالغة، لأنني أرى من وظيفة المترجم الإيضاح والتعليق والشرح، لا الاكتفاء بالتعريف بالأعلام والأعمال فحسب. إذن كان التحدي هو ألا تكون تعليقات المترجم وتنويهاته مفسدة للنص بدل إثرائه، سواء بالتعليق على الطرح أو بشتى أنواع الهوامش التي تقتضيها مهمة الترجمة.

التحدي الآخر هو العودة إلى النصوص الأصلية. ولا يخفى على قارئ هذا الكتاب أو غيره من هذا النوع كم الاقتباسات التي تملأ كل فصل، فلا تكاد تخلو فقرة من اقتباس. ولما قررت العودة إلى الاقتباسات الأصلية قررت كذلك العودة إلى كل نص مترجم إلى العربية، فآخذه عن ترجمته العربية التي سبقني إليها مترجم آخر لا شك -نظريا على الأقل- أن ترجمته ستكون أفضل من ترجمتي لأنه اطلع على سياق الجملة كاملا، وكان عليّ إثبات الترجمات العربية وأماكنها حتى يسهل على القارئ العودة إليها، وإن كانت هذه عملية مرهقة لكنها تساعد في عملية نقل النص إلى العربية، والأهم أن فيها فائدة عظيمة لمن يعتبر الترجمة تعلما.

4. ما مشروعاتك القادمة في الترجمة؟

كانت ترجمة هذا الكتاب محطة مهمة في مشروعي في الترجمة، سبقتها ترجمة ورقة لاستاذ كرسي الملك فيصل للفكر الإسلامي بجامعة كاليفورنيا الجنوبية شيرمان جاكسون عن العلماني والإسلام وأحضر نفسي لترجمة ما يكتبه وأسعى لذلك لما وجدته في نفسي من ميل إلى ترجمة ما هو أقرب إلى عالمنا الإسلامي. لكنني لم أكتف من النظرية السياسية بعد، وهذه المرة أريد ترجمة نص أصيل وليس أكاديميا ولا شارحا أو ناقدا قد يكون لكارل شميت.

5. ما الذي جعلك تتجه لمهنة الترجمة؟

كما قلت قبل قبيل، اعتبر الترجمة رحلة تعلم، وكما نعرف ليست خيارات التعلم المتاحة بكافية. لكنها كذلك تستفز ملكتين أحاول التمكن منهما، ملكة البحث والقراءة، فجل عمل المترجم هو عمل بحثي في الحقيقة، لذا حري به أن يكون متخصصا فيما ينقل. والملكة الأخرى هي ملكة رهافة الشعور باللغة، وأنا أحب فهم اللغة والمفاضلة بين التعابير والخيارات والبحث عن الأنسب والأصوب ورؤية الاختلافات بين النص الأصلي والترجمة ومدى تدخل الفهم والتأويل في هذه الاختلافات. احاول التمكن من هاتين الملكتين وأن يتسع اطلاعي فيما أهتم به، والترجمة تعينني في هذا.

6. ما التحديات التي يواجهها المترجم إلى العربية؟

لا يخفى عليكم وعلى القراء شكوى المترجمين من مشكلات مع الناشرين والجمهور.. إلخ. لكن لنقل إن سبب التحديات الأكبر التي يواجهها المترجم هو غياب ما قد يسميه بعضنا المجتمع العلمي أو الجمهور أو المهتمين، بغض النظر عن التسمية، ما يواجهه المترجم أنه يكون وحده في كل مراحل عمله تقريبا، فلا رقيب عليه سوى ضميره، ولو كان حسن الحظ فسيعتمد على بعض أصدقائه في قراءة المسودات وغيرها، وقد لا يحظى بمناقشة تبين له أخطاءه التي يجب عليه تلافيها فيما بعد. هذا الغياب نفسه سبب تحدٍ يواجهه المترجم أثناء عمله في النص، حين يريد العودة إلى نص سبقت ترجمته فيجد اختلافات كبيرة في الترجمات ليست ناجمة عن المفاضلة بين الترجمات وإنما بسبب عمل كل مؤلف ومترجم بمفرده دون اطلاع على ما يجري حوله وما ترجم ولم يترجم. وكأننا بحاجة في كل مرة إلى اختراع الدفة من الصفر. وهي مشكلة مرتبطة بالحالة العامة التي نفترض أن الإنتاج في الكتابة والترجمة يسعى للتغيير فيها. لكن لنقل إننا نرى اليوم تحركات في غير هذا الاتجاه سواء من اهتمام بعض الناشرين بعملية التحرير أو اتصال المترجمين ببعضهم أو قيامكم بهذا الحوار فكلها علامات طيبة.

7. هل يمكنك أن تصف لنا طريقتك في الترجمة، مثلًا كم مسودة تعمل عليها؟ وما القواميس والمراجع التي تعتمد عليها؟

لنقل إني مع كل فصل أحب قراءته مرتين: القراءة العامة ثم القراءة التي تفكك النص، فأميز بين التعابير التي ستسبب مشكلة لي “لغوية” وأعلم على الأعلام والاقتباسات والأعمال المذكورة في النص فهي مفتاح العمل كله. ومن ثم ابدأ البحث عن هذه الغوامض، ثم اترجم الجمل والفقرات وبعدها اراجع كل فقرة مع مقابلها الأصلي وهوامشها واقتباساتها وملحقاتها وهكذا، ثم أبدأ في مرحلة تنحية النص الأصلي والعمل على النص المترجم بوصفه وحدة مستقلة تراعي الاتساق واليسر والوضوح وأن يكون النص عربيا قدر الإمكان.

بنهاية الفصول تكون في الغالب مرحلة تالية من المراجعة بعدما أكون قد ابتعدت عن النص فترة، وحبذا لو استعنت بالنص مطبوعا في هذه المراجعة، لأنها تظهر عيوبا جمة فيه. أحب كذلك الاستعانة بالأصدقاء في قراءة الترجمة ومعرفة انطباعاتهم سواء بقراءة النص العربي وحده أو مقارنته بالنص الأصلي. ولذلك وكما قلت من قبل أحب الاستئناس بالترجمات السابقة، وهذا أكثر ما اعتمد عليه، في المرحلة البحثية عن الاقتباسات ومراجع الكتاب الأصلي وترجماتها، أكون مشغولا بقراءة ما كتب عن الموضوع بالعربية، وما ترجم إليها ومقارنة الترجمة بالنص الأصلي، فهذا الجهد الذي بذله كل مترجم -مهما كان ضئيلا ومهما كان تقييمنا لنتيجته- أفضل ما يساعدني في الترجمة. ولذلك شكرت في مقدمتي للكتاب من استفدت من ترجماتهم دون لقائهم.

اترك تعليقاً