صدرت مؤخرًا عن دار التنوير ترجمة هشام فهمي لرواية «أضواء الشمال» للكاتب الإنجليزي فيليب بولمان، الرواية الأولى ضمن ثلاثية «مواده المظلمة».
هشام فهمي مترجم مصري، مهتم بأدب الفانتازيا، وأشهر ترجماته كانت لسلسلة «أغنية الجليد والنار» لر. ر. مارتن.
ولكن فهمي أيضًا كانت له تجارب مع أعمال كلاسيكية مثل رواية «فرانكنشتاين» لماري شيلي.
نتحدث مع هشام فهمي في هذا الحوار القصير عن ترجمته لرواية «أضواء الشمال».
هل يمكن أن تقدم لنا نبذة عن الكتاب ومؤلفه؟
الكتاب جزء أول من ثلاثيَّة فانتازيا بعنوان «موادُّه المظلمة»، وهو العنوان الذي استوحاه المؤلف فيليپ پولمان من «الفردوس المفقود» لميلتون، القصيدة التي لها أثر بالغ عليه في الكتابة، وفي هذه الثلاثيَّة تحديدًا. تتنقل الأحداث بين عالم شبيه جدًّا بعالمنا وإن اختلف عنه كذلك من نواحٍ شتى، والعالم الذي نعرفه وعدة عوالم أخرى منها المألوف ومنها الغريب جدًّا، وكل هذا جزء من حرب كونيَّة كبرى يشترك في طرفيها مختلف المخلوقات من مختلف العوالم، مع مزيج عجيب أحسن المؤلف نسجه من العلم والسحر والدين والسياسة، وهي حرب يعتمد على نتيجتها مصير الموجودات كلها والكون ذاته. مع أن الحبكة تبدأ بداية صغيرة مقارنة بهذا (جماعة مجهولة تختطف الأطفال في أنحاء إنجلترا، وتذهب البطلة الصغيرة في مغامرة خطرة لإنقاذهم)، لكن تتابع الأحداث وتصاعدها عبر الروايات الثلاث يُقنع القارئ بأن الوصول إلى تلك الذروة الهائلة منطقي.
پولمان روائي إنجليزي درس الأدب في جامعة أكسفورد، يكتب روايات وقصص الأطفال والكبار، علاوةً على تحويله عددًا من الأعمال الأدبيَّة الكلاسيَّة إلى مسرحيَّات، منها «فرانكنشتاين» لماري شِلي ومغامرة لشرلوك هولمز، ومنذ سنة 1996 وهو متفرِّغ للكتابة، ومنذ سنة 2013 يرأس جمعيَّة المؤلِّفين البريطانيَّة. حاصل على لقب فارس، ووصفَته جريدة التَّايمز البريطانيَّة بأنه واحد من أعظم خمسين كاتبًا بريطانيًّا منذ سنة 1945، وقبل هذا في استطلاعٍ أجرَته «BBC»، اختيرَ الشَّخص الحادي عشر الأعظم تأثيرًا في الثَّقافة البريطانيَّة.
لماذا اخترت هذا الكتاب لترجمته؟
من قرأ لي من قبل يعرف شغفي الشديد بترجمة أدب الفانتازيا. قلتُ في تقديمي للرواية الأولى إنني قرأت الثلاثيَّة أول مرَّة قبل اثني عشر عامًا، وأعجبتني الأفكار التي تطرحها كثيرًا، المباشر منها وغير المباشر، عن المعرفة والجهل، والحرية والسُّلطة، والشجاعة في مواجهة أخطار أكبر منا في سبيل مَن نحبُّ، وما قد يحدث لتقدُّم الأمم إذا ما استبدَّت بها سُلطات تحلِّل وتحرِّم حسب هواها باسم الدين، وكلُّ هذا بلغةٍ قويَّة وسلسة تعبِّر عن معانٍ كبيرة دون أن تتعالى على القارئ الصغير أو يجدها القارئ البالغ مبتذلة مغالى في بساطتها. أضِف إلى هذا الشخصيات المتشابكة التي يقدِّمها المؤلف ببراعة ويُجيد رسمها جاعلًا القارئ يتفاعل معها ومع رحلتها الملأى بالغرائب، وهذا عماد أيِّ عملٍ أدبي فيه قيمة ومتعة، فلولا الشخصيات أولًا وثراء تفاصيل العالم ثانيًا، لما أقبلتُ على قراءة الثلاثيَّة أكثر من مرَّة، ولما أقدمتُ على ترجمتها عندما أتتني الفرصة أخيرًا.
سبب آخر حثني على هذه الترجمة، هو انتماء الثلاثية إلى «الفانتازيا العلمية»، وهي جنس من الأدب يجمع بين الفانتازيا والخيال العلمي، لكنه على عكس الخيال العلمي لا يتقيَّد كثيرًا بقواعد العلم. أحبُّ تجربة الجديد في عملي، بحيث لا يقتصر على أنواع محدودة من الفانتازيا لأن بحرها واسع، فلما وجدت فرصة لترجمة عمل مهم ينطوي على تجربة جديدة لي لم أتردَّد.
ما التحديات التي واجهتها أثناء ترجمة الكتاب؟
أحداث الجزء الأول تدور في عالم موازٍ لعالمنا، لكن تاريخه مختلف، وهو ما أدَّى بالطبع إلى اختلافات جذريَّة في التقسيمات الجغرافية. مصر مثلًا في عالم البطلة لايرا مساحتها أكبر كثيرًا من مساحة مصر عالمنا، وأمريكا اسمها الدنمارك الجديدة لأن الڤيكينج هم من سيطروا عليها حين اكتشفوها، ولم يعرف ذلك العام هتلر والحرب العالميَّة الثانية، وهكذا… وبطبيعة الحال يستخدم أهل ذلك العالم مصطلحات مختلفة للتعبير عن أشياء عادية في عالمنا. الكهرباء مثلًا اسمها الطاقة العنبرية، القطار الجوفي هو مترو الأنفاق، الشوكولاتِل هي الشوكولاتة، وأشياء كثيرة من هذا القبيل. كان عليَّ أن أحافظ على خصوصية تلك المصطلحات الجديدة للحفاظ على غرابة العالم الآخر عن عالمنا رغم تشابههما الكبير، وإيجاد مقابل عربي يعبِّر عن المعنى الجديد الذي ابتكره المؤلف.
أيضًا في عالم لايرا شعب يعادل الغجر في عالمنا، ولهم ولغيرهم طريقة معينة في الكلام تميزهم، وعندنا صعاليك الشوارع في أكسفورد وأساتذة الكليات المرموقون، هؤلاء يتحدثون بأسلوب وهؤلاء بأسلوب، فكان عليَّ تمييز هذا أيضًا في الترجمة كي لا يبدو أن الجميع يتكلَّمون لغة واحدة، فاستعنت ببعض الحلول من العاميَّة الأقرب إلى الفصحى كي لا تستعصي عامية بلد عربي واحد على القراءة عن قارئ عربي من بلد آخر.
وثمَّة تفصيلتان أجبرتاني على مخالفة قاعدة للغة العربية، هي التعامل مع غير العاقل بصيغة المؤنث. في عالم لايرا الدببة مخلوقات محاربة عاقلة، تجيد البناء والتعامل مع المعادن، ولها ثقافة وعادات وتقاليد، ولهذا السبب استخدمت «الدببة المدرَّعون» بدلًا من «المدرَّعة». وفعلت المثل مع «القُرناء» في عالم لايرا، وهم شيء أقرب إلى تجسُّد مادي لروح الإنسان يتَّخذ تكوين حيوان، لكنهم مخلوقات مفكِّرة عاقلة أيضًا، فتعاملت معهم بصيغة العاقل.
ما مشروعاتك القادمة في الترجمة؟
أعمل حاليًّا على رواية ممتازة من الميثولوچيا الإغريقيَّة، وفي الطريق المزيد من قصص الفانتازيا والخيال العلمي، منها روايات مصوَّرة.
ما الذي جعلك تتجه لمهنة الترجمة؟
جربتها في البداية دون نيَّة احترافها فوجدتني شغوفًا بالعمليَّة. أحببت ما تفرضه على المرء من تحديات وكيف تجبره على البحث، فتجعله يتعلَّم أشياء جديدة عن موضوعات ما كان ليتطرَّق إليها في ظروف أخرى. وجدتني أحب اللغة وتراكيبها وكيف يمكن التلاعب بها لتوصل مختلف المعاني، وشيئًا فشيئًا أدركت أن التجربة والخطأ والمحاولة من جديد ومراجعة الذات جزء مهم من العمليَّة، وهو ما أفادني كإنسان بشكل عام. الترجمة لعبة جميلة، ونزولي الملعب كل يوم تدريب ممتع لا ينتهي.
هل يمكن أن تصف لنا طريقتك في الترجمة، مثلًا كم مسودة تعمل عليها؟ وما القواميس أو المراجع التي تعتمد عليها؟
عادةً يُقرأ الكتاب الواحد خمس مرَّات. القراءة الأولى قراءة عاديَّة باعتباري قارئًا فقط، الثانية قراءة الاستعداد وترك ملاحظات لنفسي هنا وهناك، والثالثة قراءة كل فصل منفردًا قبل الشروع في ترجمته، والرابعة قراءة ترجمة كل فصل وتنقيحها، والأخيرة مطابقة النص الأصلي بالترجمة مع المزيد من التنقيح. طبعًا في أثناء العمل كثيرًا ما تخطر لي أفكار، فأعود إلى فقرة سابقة في فصل سابق وأغير فيها شيئًا أراه أفضل أو أدق، أو تُنبهني كلمة في فصل لاحق إلى حل أفضل لفقرة سابقة، وهكذا. طوال الوقت أعمل على تنقيح النص كله كلما خطرت لي فكرة، وبعد التحرير والتدقيق اللغوي أغير بعض الأشياء كذلك.