أحمد الخميسي: عاشت الترجمة ومات النص!

أحمد الخميسي: عاشت الترجمة ومات النص!

عاشت الترجمة ومات النص!

مقال: د. أحمد الخميسي

عن كتاب “أوراق روسية”

يحتفظ الكاتب بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بمقاله دون إذن منه


بعد عامين من الدراسة في جامعة موسكو أتقنت اللغة الروسية إلى حد مكنني من قراءة أمير الشعراء الروس ألكسندر سيرجييفتش بوشكين (1799- 1837) والاستمتاع بقصائده وتذوقها بكل أبعادها الموسيقية. حينذاك توقفت طويلًا عند قصيدته «بنيت لنفسي تمثالًا» التي كتبها الشاعر العظيم قبل عام من وفاته. جذبني إليها الشعور العارم بكبرياء الكاتب وأهمية دوره. فيها يقول بوشكين «لقد بنيت لنفسي تمثالًا.. لن تنمو الأعشاب على الطريق إليه». أي أن الناس سيترددون على تمثال الشاعر بدون انقطاع حتى أن الأعشاب لن تنمو على الطريق إليه من كثرة زواره.

أعجبتني القصيدة. قررت في لحظة حماس أن أترجمها إلى العربية. شجعني على ذلك إلمامي بأوزان الشعر العربي. هكذا عكفت على القصيدة يومين أو ثلاثة إلى أن لم يعد ممكنًا- من وجهة نظري- أي تجويد، أو قضاء «طيلة النهار لوضع فاصلة، وطيلة الليل لحذفها» على حد تعبير أوسكار وايلد عن تجويد الكتابة. صارت القصيدة إذن بين يديَّ ناطقة بلغتي. تركتها عدة  أيام لأخرج من حرارة العمل عليها ثم رجعت إليها أقرأها من جديد. لكن صدمتي كانت كبيرة. ودهشتي أيضًا. إذ لم أجد في القصيدة شيئًا أي شيء مما حفزني في البداية إلى ترجمتها. لا شيء على الإطلاق. كانت في واقع الأمر مجرد كلمات عربية تقابل بشكل دقيق من حيث المعنى الكلمات الروسية. ولا شيء عدا ذلك. ولو أن أحدًا حاسبني حساب المترجمين العسير لما عثر لي على غلطة واحدة في الترجمة. كان كل شيء سليمًا وصحيحًا. لكن لا شعر ولا فن ولا روح. فهي ترجمة أقرب إلى القول الشائع «نجحت العملية، وتُوفي المريض»!

أغضبني، من الناحية الفنية بل والأخلاقية أن تصبح ترجمتي نعشًا لقصيدة بوشكين أمير الشعراء الروس الذي أحرق الأرض تحت قدمي الإقطاع والحكم الاستبدادي في روسيا.

لكن كيف حدث هذا؟ ما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك؟ النص سليم مثل بدن مكتمل، لكن بلا روح. أدركت أولًا أنه ليس ثمة مترجم عام، قادر على ترجمة كل شيء كما يظن البعض. وأن هناك أنواعًا من الترجمة وليس ترجمة على العموم، ومن ثم ينبغي أن يكون هناك مترجم مختص في كل فرع داخل كل لغة. على سبيل المثال مترجم علوم عن الإنجليزية. مترجم أدب عن الإنجليزية. مترجم فلسفة. وهكذا. ذلك أن خبراتي السابقة في ترجمة المقالات السياسية والاجتماعية لم تنفعني بحرف عند ترجمة الشعر. أدركت أيضًا – وهي خبرة قد لا يوافقني عليها كثيرون – أن الشعر لا يقبل الترجمة. بمعنى أن ما سيصل منه في أفضل الأحوال هو المعنى العام، أو صور مجتزأة، لكن ليس الشعر بالمفهوم الشامل للشعر.

رقدت القصيدتان أمام عينيَّ: بالروسية حيث تحس بكل وهج الشعر وألقه وحرارته، وبالعربية حيث لا شيء رغم دقة المعنى. كان ذلك أشبه ما يكون بصورة جامدة لوجه حي، دقيقة لكن لا تنطق، لا تعبر، لا تختلج ملامحها بأي ارتعاشة ملهمة. ولتوضيح ما أقصده إليك مطلع قصيدة أخرى لبوشكين بعنوان الزهرة مترجمة إلى العربية:

زهرة مجعدة بدون رائحة
رأيتها منسية وسط كتاب
وفجــأة امتلأت روحي
بتساؤلات عديــــدة.

والفارق شاسع بين أن تقرأ قصيدة «الزهرة» بالروسية وأن تقرأ تلك الترجمة السليمة التي لا توحي بأي شيء!

وسأضرب مثالًا من لغتنا بأبيات شهيرة من إحدى قصائد المتنبي في مدح سيف الدولة حيث يقول: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم / وتأتي على قدر الكرام المكارم / وتَعظُم في عين الصغير صغارها/ وتَصغر في عين العظيم العظائم». المعنى هنا عند المتنبي بسيط فإذا ترجمته إلى لغة أخرى فإنه لن يخرج عن قولك: «حسبما تكون كريمًا تكون أفعالك كريمة»، أو كما يفسر عبد الرحمن البرقوقي البيت ذاته قائلا(1): «والمعنى أن الرجال قوالب الأحوال، فإذا صغروا صغرت، وإذا كبروا كبرت». فهل يُعد المعنى الذي ترجمنا إليه البيت  شعرًا؟ الحق أن عظمة المتنبي تأتي من صياغته للمعنى، أي أنها تأتي من تكرار حرف الراء، والعلاقة الموسيقية التي يخلقها ذلك التكرار بحساب معين. فهل يمكن ترجمة ذلك التكرار المدروس إلى لغة أخرى مع الحفاظ على المعنى ذاته؟

في اعتقادي أن تلك العملية تحديدًا مستحيلة. وأظن أن ما يصلنا من شعر شكسبير هو في الأغلب أفكاره، وصوره، لكن ليس الشعر ذاته الذي لا يمكن فصله عن لغته. من هذه الزاوية فإن أمير الشعراء الروس بوشكين يشبه شاعرنا العملاق المتنبي. فإذا قرأت بوشكين باللغة الروسية ستجد ذلك التدفق والسلاسة والتراكيب اللغوية والموسيقية التي تأسرك بالكامل، أما حين تترجمه فلا يبقى منه سوى معان بسيطة شاحبة أقرب للنثر، كأنك جردت طائرًا من جناحيه وتريد أن تراه محلقًا!   

أقول إنني استخلصت لنفسي – وليس للآخرين – أن ترجمة الشعر «خيانة» وأحيانًا هي أبعد من ذلك. لكن تلك الخيانة قد تكون «حلالًا» مسموحًا به لضرورتها في التعرف إلى شعراء العالم. لكن من الأهمية بمكان ونحن نمارس الخيانة أن نضع في اعتبارنا أننا نقدم للقارئ صورة الشعر، وليس وجهه الناطق الحي. لهذا السبب كانت محاولتي لترجمة قصيدة بوشكين هي الأولى والأخيرة في ذلك المجال. ولا بأس من الإشارة هنا إلى أن شعر بوشكين – وقد تُرجم الكثير منه إلى العربية – لم يترك أثرًا في الحركة الثقافية المصرية، خلافًا لأعماله الروائية والقصصية ومنها «قصص بيلكين»، و«ملكة البستوني»، و«ناظر المحطة» ورواية «ابنة الآمر» وغيرها. لا يعني كل ما سبق أنني ضد ترجمة الشعر. فقد استفدت استفادة جمة من ترجمات عديدة واستمتعت بها. لكني أتحدث عن تجربتي الذاتية وموقفي الشخصي أو تصوري الخاص. ربما يكون البعض قادرًا على صنع المعجزة أي ترجمة الشعر. إلا أن التراجم الشعرية التي قرأتها واستمتعت بها مثل ترجمة شعر ناظم حكمت، وبول إيلوار، وآخرين، كانت تهبني القليل جدًا من الشعر الذي يشبه رائحة الورد بعد ذبوله.

وإذا تركنا الشعر، يبقى عشقى للقصة القصيرة الذي قادني للبحث عن أعمال للكتاب الروس وترجمتها خاصة أعمال الكتاب الذين تم التعتيم عليهم في الاتحاد السوفيتي. المشكلة الأولى التي واجهتني – وهي المشكلة الأولى في الترجمة عامة- هي الاختيار. ذلك أن المترجم هو في اعتقادي مؤلف بلغة أخرى. بمعنى أن النص الذي يتخيره المترجم هو النص الذي يتمنى أن يصل إلى الناس، وأحيانًا هو النص الذي كان المترجم يود لو أنه كان مؤلفه لولا أن كاتبًا آخر سبقه إلى ذلك.

وإذا كانت الترجمة تأليفًا غير مباشر يُسهم في تغيير الوعي يصبح السؤال هنا هو: ماذا نترجم؟ وأي وعي نشارك في نشره؟ في مرحلة ما كانت ترجمة نص دستور 1818 الفرنسي التي قام بها الطهطاوي تمثل عملًا هامًا في تطوير المجتمع، لأن ذلك الدستور يضمن بمقاييس عصره مبدأ أن الأمة – وليس الحاكم المستبد- هي مصدر السلطات. كان اختيار الطهطاوي لترجمة ذلك الدستور انحيازًا لمصالح الأمة، وبترجمته سعى الطهطاوي لنشر الوعي بأهمية تقييد الحاكم بصلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية. في حينه كان تطور المجتمع العربي في أمس الحاجة لترجمة كتلك التي اختارها الطهطاوي في سياق رؤية توخت وضع مقاليد الأمة بيدها. وقد لا يسترشد اختيار النص بذلك النفع المباشر الاجتماعي أو العلمي ولكن باعتبارات جمالية وفكرية ومعرفية أخرى في سياق الرؤية نفسها التي تضع في حسبانها جدوى الثقافة على الأمة. ولا شك أن كل نص يرسخ الجمال في مواجهة القبح هو عمل يرقى بالإنسان. ألم يؤمن دوستويفسكي بأن: «الجمال سينقذ العالم»؟

الترجمة في اعتقادي اختيار، بل وموقف. تلك هي أولى المشكلات التي ينبغي أن يتصدى لها المترجم. أحيانًا أرى البعض يترجمون قصصًا فرنسية، وموضوعًا  علميًا، وآخر سياسيًا، ورابعًا في الفلسفة، فأقول لنفسي: هذا مترجم حرفي ـ تقني. أما المترجم المفكر فلا بد لأعماله أن تعكس رؤيته الشاملة الخاصة به، وأن يتكامل ما يُترجمه في منظومة واحدة. هذا هو المترجم المفكر.

قلت إن القصة القصيرة استوقفتني خلال وجودي في روسيا، خاصة أعمال الأدباء الذين تم تجاهلهم وإبعادهم عن دائرة الضوء لاختلاف رؤاهم السياسية والاجتماعية عن الرؤية الرسمية، ومقاومتهم لطابع الدولة الشمولية. صادفتني حينذاك أعمال عظيمة لكتاب كبار حقًا مثل «أندريه بلاتونوف» المجهول لدينا تقريبًا، و«يوري كازاكوف»، و«فاسيلي شوكشين» وغيرهم. واستولى عليَّ شعور بضرورة نقل تلك الأعمال إلى العربية، ليس لمجرد أنها كانت أعمالًا محظورة، بل ولقيمتها الأدبية والفنية أساسًا. وعندما عكفت على ترجمة تلك القصص كانت المعضلة الأولى التي واجهتني وأظن أنها تواجه كل مترجم هي التردد بين نقل المعنى، وبين نقله مع تحسينه أو تحويره ليصبح مقبولًا لدي المتلقي.

إلا أن فتح باب «تحسين» أو «تقريب» النص إلى المتلقي منزلق قد يحطم رقبة النص الأصلي. هذا هو بالضبط ما قام به طانيوس أفندي عبده الذي ترجم مسرحية شكسبير «هاملت» عام 1897 لتقديمها على المسرح وطبعها عام 1902. فقد لاحظ طانيوس أفندي عند عرض المسرحية أن الجمهور كان مستاء أشد الاستياء من الظلم الذي وقع على «هاملت»، فما كان منه إلا أن عدل نهاية المسرحية بحيث يفوز هاملت بعرش والده ويواصل حياته السعيدة! لذلك وصف د. محمد يوسف نجم هذه الترجمة بأنها تشويه ومسخ للعمل، ونفى الكثيرون عنها صفة الترجمة، واعتبروا أن أول ترجمة لمسرحية «هاملت» هي التي قام بها لاحقا الشاعر خليل مطران، هناك حيث تطابقت الترجمة مع النص.

ولدينا فيما يخص ترجمة الروسي مثال واضح على ذلك، فقد قام سامي الدروبي بترجمة الأعمال الكاملة لدوستويفسكي من الفرنسية إلى العربية. لكن عندما تولى الصديق د. أبو بكر يوسف مراجعة تلك الأعمال على الأصل الروسي تمهيدًا لإعادة طباعتها في موسكو اكتشف اجتهاد سامي الدروبي الضخم لتحسين أسلوب دوستويفسكي على نحو لم يكن يتطابق مع النص الروسي في مواضع غير قليلة.

هناك مثال آخر هو الترجمة التي قامت بها فاليريا بورخوفا للقرآن الكريم من العربية إلى الروسية، وفيها أضافت المترجمة كلمات زائدة على الأصل لمجرد إضفاء الطابع الشعري على النص. ومن أمثلة ذلك الآية الكريمة: «إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا» فقد ترجمت بورخوفا معاني الآية الكريمة كالتالي: «ورأيت الناس الصالحين يدخلون في دين الله أفواجا» وأضافت الصالحين من عندها لمجرد وقعها الموسيقي المتسق مع الكلمات السابقة واللاحقة(2)، أي بهدف تقريب النص إلى المتلقي الروسي!  

هناك طريقة أخرى لتحسين النص، ألا وهي تعريب المعنى والصور لتصبح مفهومة بيسر لدي القارئ العربي. على سبيل المثال  فإننا  للتعبير عن المفاجأة عند رؤية شخص لم نكن نتوقعه نقول: «طلع لي كما العفريت» أي بغتة. لكن الروس يقولون: «طلع لي كما يسقط الثلج على الرأس». وقد لا يستريح القارئ المتلقي للتعبير الروسي «كما يسقط الثلج على الرأس»، لأنه تعبير غير مألوف. لكن الأصح أن نتمسك بالتعبير الوافد لأنه ينقل معه ثقافة أخرى. فالثلج في روسيا عنصر حيوي من عناصر الطبيعة. في هذا السياق عندنا أيضا مثل يقول «إذا عشقت اعشق قمر، وإذا سرقت اسرق جمل». في اللغة الروسية مثل يكاد أن يكون مطابقًا لهذا المثل العربي. يقول الروس: «إذا عشقت اعشق جميلة وإذا سرقت اسرق مليونًا». هنا يبدو الإغراء قويًا بترجمة هذا المثل باستخدام الصيغة العربية حيث أن المعنى واحد. ولكن حتى ذلك يبدو لي خطأ. لأن هناك فارقًا كبيرًا بين مجتمع تدخل في أسس تذوقه الجمالي صورة القمر كمرجعية جمالية، ومجتمع تدخل في أسس تذوقه الجمالي المرأة كقيمة جمالية. أيضًا هناك فارق بين مجتمع يقدر الثروة بالإبل نتيجة لظروف الطبيعة الصحراوية وأهمية الجمل فيها، وبين مجتمع آخر يقدر الثروة بالعملة النقدية! وفي واقع الأمر فإننا نواجه – في هذه المعضلة الصغيرة – ثقافتين، وليس لغتين، ومن ثم يجب أن تعكس الترجمة ليس المعنى فحسب – حتى لو جاء متطابقًا – بل الصور ذاتها ومفردات تلك الصور.

والخلاصة أن مختلف وسائل التحسين تستهدف بشكل أو بآخر جعل النص مقبولًا وفق ذائقة المتلقي، أي وفق تقاليده الثقافية والجمالية ومعارفه ودرجة تطوره. على حين أن الترجمة ليست تقريب النص إلى القارئ لكن نقل النص إليه بكل ثراء واختلاف عناصره الثقافية والتاريخية. في ذلك تحديدًا تكمن قيمة الترجمة. فالمترجم لا ينقل إلينا فكرة فقط، أو بناء قصصيًا، بل ثقافة وطقوس مجتمع بأكمله. وعندما كان الأدب الروسي يُترجم إلى العربية عبر لغة وسيطة هي الفرنسية والانجليزية على الأغلب، كان المترجمون يقعون في الخطأ التالي عندما ينقلون الصورة التالية: «جلسوا وشربوا الشاي بالسكر». ذلك أن هذه الصورة لا تنقل إلينا طقسًا روسيًا شديد الخصوصية! ذلك أن الروس حين يجلسون لاحتساء الشاي يضعون بجواره قطع سكر صلبة ويمتصونها خلال شرب الشاي! الترجمة الأولى مخلة لأنها لا تنقل طقسًا خاصًا مميزًا وتحيله إلى التقليد الشائع «شربوا الشاي بالسكر» فتسلبه خصوصيته! لهذا فإن الترجمة تتطلب ليس فقط الإلمام باللغة بل وبثقافة وتقاليد الشعب الذي نترجم آدابه.

قلت فيما سبق إنني هجرت ترجمة الشعر إلى القصة. الآن أقول كيف يمكن لأي منا أن يهجر الترجمة عمومًا بضمير مستريح! فكرت في ذلك بعد أن عكفت على ترجمة واحدة من روائع القصص الروسية وهي «كان بكاؤك في الحلم مريرًا» للكاتب يوري كازاكوف. القصة تتحدث عن أب يقوم برحلة مع ابنه الصغير إلى الغابات حيث يلهو الطفل بين الأعشاب وينابيع المياه. هناك قرب نهر صغير يجد الطفل نقرة ماء فيستغرق في تأمل ما فيها. ويشير الكاتب إلى أن النقرة احتوت على «أسماك وليدة لتوها»(3).  

بدون تفكير ترجمت العبارة من الروسية كما وردت «أسماك وليدة لتوها». بعد قليل أخذت أفكر: لكن الأسماك لا تلد؟! بالروسية قد يصلح القول بأن الأسماك وليدة لتوها، لكن بالعربية؟! كان البديل السريع المتاح أمامي هو «الأسماك المفقوسة لتوها»، وهي عبارة كانت كفيلة بتدمير كل شاعرية نسيج القصة الناعم. لكي لا أصدع رأس القارئ أقول إنني نحو يومين ظللت أبحث عن مخرج حتى كتبت «الأسماك الخليقة لتوها». فضلت كلمة الخليقة من عملية الخلق. وحتى ذلك التصرف لم يسلم فيما بعد من الانتقاد. إذ قيل لي: وهل هي خليقة من تلقاء ذاتها؟ أليست مخلوقة؟. لكني لم أسترح لكلمة المخلوقة نظرًا لما تثيره من تداعيات مع كلمة «مخلوق» بمعنى إنسان  ومخلوقة بمعنى امرأة.

مصاعب الترجمة هذه – إذا عكف أحد على الترجمة بجدية – هي التي جعلتني فيما بعد أتردد طويلًا في تكرار التجربة، وهي التي تدفع بي للابتعاد عن الترجمة خاصة الأدب. لكني لا أنكر سعادتي الغامرة حين أعود من حين لآخر إلى قراءة بعض القصص التي ترجمتها فأجد أنها كالروح الحية تتحرك في بدن لغوي قوي، كل ذراع في مكانها وكل عين في موضعها وكل كلمة في محلها. هي سعادة لكنها تتطلب الكثير من  المكابدة والجهد.

***

هوامش:

 (1) شرح ديوان المتنبي: عبد الرحمن البرقوقي – المجلد الثاني – دار الكتاب العربي لبنان.

(2) د. علاء الدين فرحات – رسالة دكتوراه من معهد بوشكين بموسكو عام 1996  موضوعها «الترجمات الروسية للقرآن الكريم». الفصل الرابع ترجمة فاليريا بورخوفا للقرآن الكريم.

(3) د. أحمد الخميسي – رائحة الخبز – سلسلة آفاق الكتابة – الهيئة العامة لقصور الثقافة – 1999

اترك تعليقاً