مقدمة المحررين لترجمة كتاب “أفضل 100 رواية باللغة الإنجليزية” لروبرت مكروم
صدر الكتاب عن “كتب مملة” بالتعاون مع دار هن في يناير عام 2023
مقال أمير زكي وحسين الحاج
يمثل هذا المشروع خلاصة الروح التي أنشأت موقع كتب مملة.
عندما أصبحت مدونة “كتب مملة” موقعًا في بداية عام 2019، التف حولنا عدد من اﻷصدقاء الكتاب والمترجمين يملأون صفحات الموقع بمساهماتهم. وفي غضون شهرين بدأنا نشر أول سلسلتين من المساهمات: أولهما سلسلة مقالات شهاب الخشاب المبسطة بالعامية المصرية عن العديد من المفاهيم في العلوم الإنسانية التي نشرها تحت عنوان “فهامة شهاب” ثم “موسوعة الملل“. ما زالت السلسلة مستمرة إلى اليوم وقد صدر العديد منها في كتابه “الفهامة” الصادر عن دار ديوان في عامنا هذا. وثانيهما سلسلة “مايو 1968 للمبتدئين“، وهي سلسلة من المقالات والحوارات الفكرية المترجمة حول انتفاضة مايو 1968 في فرنسا، ترجمها وقدم لها المترجم الكبير أحمد حسان، والتي انبثق عنها مشروع ترجمة كتاب “لغز مايو 68: لنا الحق في التمرد” لآلان باديو الذي نُشِر كاملًا على الموقع أيضًا، وأصدرته دار صفصافة عام 2021. مثلت سلسلة مقالات روبرت مكروم السلسلة الثالثة.
وسلسلة روبرت مكروم عبارة عن قائمتي مقالات تغطي أفضل مئة رواية وأفضل مئة كتاب غير قصصي باللغة الإنجليزية، نُشرت المقالات على موقع الجارديان بين عامي 2013 و2017.
ولكن هذه السلسلة مثلت تحديًا جديدًا بالنسبة لنا، هذه سلسلة تضم مئتي مقال، فكيف جرى ترجمتها جميعًا؟ وكيف استمرت ﻷكثر من ثلاث سنوات؟
في فبراير 2019، اشتركنا في إقامة ورشة طويلة للترجمة في معهد القاهرة للعلوم واﻵداب الحرة باﻹسكندرية (سيلاس اﻹسكندرية) في وكالة بهنا، ولأن أعضاء الورشة تجاوزوا خمسة عشر مشاركًا ومشاركة، مثلت مقالات مكروم مصدرًا ملائمًا ﻷن يختار المشاركون ما يودون ترجمته منها بحرية نسبية. اختار كل مشارك أو مشاركة تقريبًا مقالًا واحدًا وانضم إليه مشارك أو اثنان من أجل تخفيف عبء الترجمة الفردية بالعمل الجماعي، قدم تعدد المترجمين للمقال الواحد فرصة لتعلم الترجمة بينهم بأسلوب تشاركي، بالطبع خصصنا جلسات الورشة من أجل مراجعة الترجمات اﻷسبوعية التي أخرجت خلال شهر واحد ثلاثة عشر مقالًا. لذا سيجد القارئ بعضًا من مقالات الكتاب شارك في ترجمتها أكثر من مترجم، مثل مقال رواية “البرتقالة اﻵلية” ومقال رواية “موبي ديك“.
بعد ذلك بعام واحدٍ، وأثناء فترة إغلاق فيروس كورونا في عام 2020، اقترح الزميل المترجم والمحرر محمود راضي استكمال ترجمة مقالات القائمتين عن طريق إعلان مبادرة ترجمة جماعية بين مساهمين موقع “كتب مملة”. وبمجرد أن أعلنا عن هذه المبادرة انضم إلينا في البداية سبعة مترجمين وترجموا خلال شهر واحد عشرة مقالات، وكانت هذه الانطلاقة الحقيقية لمشروع ترجمة قائمتي مكروم.
ثم توالت الترجمات حتى ترجمنا 26 مقالًا بحلول يونيو 2021، وأصبحت العادة بعد ذلك أن نقترح اختيار مقالًا من قائمتي مكروم لمن يود أن يشارك بالترجمة معنا في الموقع بلا محتوى معين يرغب في ترجمته، كما أصبحت القائمتان مصدرًا في فصول الترجمة التي أقيمت في سيلاس القاهرة واﻹسكندرية على مدار ثلاثة أعوام.
مع توالي المساهمين والترجمات فكرنا أن نكمل القائمتين ونصدرهما في كتابين، خاصة أننا وجدنا روبرت مكروم قد أصدر القائمتين في كتابين منفصلين.
ورغم صعوبة المهمة، وتحديات التنسيق بين المحررين والمترجمين، استطعنا أخيرًا إكمال القائمتين، ليصدر كتاب “أفضل 100 رواية” الموجود بين أيديكم، على أن يصدر كتاب “أفضل 100 عمل غير قصصي” في وقت قريب.
شارك في الكتاب 46 مترجمًا ومترجمة، وحرره 4 محررين، بالإضافة إلى محرري الكتاب وموقع “كتب مملة” الرئيسيين، اللذين شاركا في الترجمة أيضًا.
50 مساهمًا ومساهمة في كتاب واحد. لا نملك أرقامًا سابقة، ولكن قد يكون أحد الكتب النادرة في اللغة العربية التي شارك فيها هذا العدد من المساهمين.
بالطبع مشروع بهذا الحجم واجه تحديات متنوعة، ولكن إذا كنا لا نريد أن نشغل بال القارئ بالتحديات الإدارية، فقد يكون الحديث عن القليل من التحديات التحريرية مفيدًا.
حرصنا قدر ما استطعنا أن نوحد أسماء الأعلام وعناوين الروايات بين المترجمين، وهذه لم تكن مسألة سهلة كما يبدو.
فلنضرب مثلًا باسم “ملفل”، هل نكتبه “ملفل” أم “ملفيل” أم “ميلفيل” أم “ميلفل”؟ وإذ وضعنا الفاء بثلاثة نقاط “ڤ” سيظهر ضِعْف هذه التنويعات. بالطبع كان يوجد اختيار المترجم، ولكن يوجد أيضًا اسم الكاتب على الكتاب المترجم المنشور، وقد يكون تُرجم عدة مرات بعدة أشكال، بالإضافة إلى الاسم الشائع على الإنترنت، وهذا صعب الاستقرار عليه في العربية، لكن ما أن استقررنا على شكل واحد حتى حاولنا الثبات عليه في الكتاب كله.
من المسائل الأخرى التي أثارت الحيرة كان عنوان الرواية نفسها، إذ أحيانًا ما تتعدد ترجمات عناوين العمل، بالإضافة إلى أن المساهم في كتابنا قد يختار عنوانًا آخر.
مثلًا في راوية “أن تقتل طائرًا محاكيًا”، لهاربر لي، الترجمة الشائعة والمنتشرة في العربية هي “أن تقتل طائرًا بريئًا”، ولكن مترجمة مقال مكروم في كتابنا اختارت “أن تقتل طائرًا مُحاكيًا”. فهل نعيد العنوان إلى ترجمته الشائعة؟
كان الخيار في هذه الحالة نابعًا من مقال مكروم نفسه، لأن الناقد الإنجليزي شرح في مقاله لم اختارت هاربر لي “الطائر المحاكي”، وهو أحد أنواع الطيور، كعنوان لروايتها، وأن الأمر لا يقتصر على “البراءة”.
أحيانًا تكون المشكلة في المصطلح الأدبي، توجد ترجمتان في الكتاب هنا لمصطلح Pulp fiction إذ تُرجم مرة بـ “مجلات اللب” ومرة بـ “المجلات الرخيصة”، كل مترجم كان لديه وجهة نظر في اختياره، لذلك حافظنا على اختيار كل مترجم ولم نوحِّده. ومعظم هوامش المقالات المنشورة هنا هي لمترجميها.
وإذا كنا حاولنا الحفاظ على أسماء الأعلام والروايات ثابتة في الكتب، إلا أننا لم نسع إلى توحيد أسلوب المترجمين في ترجماتهم المختلفة لمقالات مكروم، وهذا نابع من خيارنا كمحررين في التعامل مع المساهمات التي تصل إلى “كتب مملة” في العموم، فإذا كنا نحرص على تجنب الخطأ في الترجمة -ونحن جميعًا نخطئ- وأن تكون الترجمة واضحة ومفهومة بقدر الاستطاعة وبما لا يخالف النص الأصلي، فنحن نحرص أيضًا على أن نترك لكل مترجم حريته في الاستعانة بأسلوبه الخاص في الترجمة، لأن المترجم مثل الكاتب، لديه بصمته الخاصة في التعامل مع النص المترجم.
مقدمة روبرت مكروم للقائمة، المترجمة هنا، تشرح أهمية هذا الكتاب، إذ أنه يقدم صورة تاريخية للأدب الإنجليزي، توضح أهم الأعمال المنشورة فيه، على مدى ثلاثة قرون. بالطبع يعي مكروم أن القائمة لن تكون مُرضية للجميع، إذ يمكن لأي قارئ أن يعترض على وجود رواية أو يقترح رواية أخرى. وهذا مسألة مفهومة، لذا يقترح مكروم بأن يمضي كل قارئ على خطاه ويصنع قائمته الخاصة من الروايات.
قضية أخرى يناقشها مكروم في مقدمته، وهي مركزية الأدب الإنجليزي، التي تجعله يُعِدّ قائمة بأفضل الروايات بداخله، لا أفضل الروايات في العالم مثلًا. مكروم يؤكد على البعد العالمي للأدب الإنجليزي، ولكن بغض النظر عن رأي مكروم، أو رأي الإنجليز، قد نطرح على أنفسنا السؤال: لِم نهتم بأفضل روايات في الأدب الإنجليزي؟
الحقيقة وحتى إذا كنا معترضين على فكرة المركزية، إلا أن الأدب الإنجليزي سيظل واحدًا من المصادر الأساسية التي تأثرنا بها في ثقافتنا وأدبنا، واللغة الإنجليزية هي اللغة الأجنبية الأولى التي نتعلمها في مصر. ولكن رغم أساسية الأدب الإنجليزي في ثقافتنا، لدرجة أن البعض قد يدعو إلى أن ننفض أيدينا عنه حتى نلتفت لثقافات أخرى، يمكن بالنظر إلى هذه القائمة أن نكتشف أن كمًا ليس بالقليل من الروايات البارزة في هذا الأدب غير معروف لدينا، بعضه لم يترجم، وبعضه تُرجِم ولم يلقَ الاهتمام الكافي، في حين لاقت بعض الروايات حظًا أكبر من روايات أخرى في الترجمة بل وفي تكرارها، وربما يكون هذا الكتاب فرصة لأن نبحث في أسباب ذلك.
لذلك قد يكون هذا الكتاب مفيدًا للقراء المحبين للأدب، لمعرفة سبب أهمية الروايات التي قرأوها، ومعرفة روايات جديدة مهمة لم يقرأوها، وهو قد يكون مفيدًا أيضًا لدور النشر، لمعرفة أسماء كتب ومؤلفين جدد، وهي أسماء متحققة في الثقافة الإنجليزية ولكنها غير معروفة أو مؤثرة في ثقافتنا.
تأتي أهمية هذا الكتاب أيضًا لتقديم صورة لحركة الترجمة في ثقافتنا، إذ يساهم في الكتاب طيف واسع من المترجمين، بعضهم متحقق وأصدر عدة كتب، وبعضهم يخطو خطواته الأولى في عالم الترجمة.
والكتاب أيضًا إثبات مميز على ما آمن به مشروع “كتب مملة” منذ البداية، وهو أن العمل الثقافي الجماعي ليس مسألة تنتمي إلى ماضٍ غابر، غير قابلة للتحقق في زمننا، بل عملية يمكن استعادتها وتطويرها إذا توفرت الفرص المناسبة.
في النهاية، يأتي وقت الشكر، والحقيقة نحن قبل كل شيء نشكر السيد روبرت مكروم، الناقد الإنجليزي الكبير، الذي ما خاطبناه عن مشروعنا حتى وجدنا ترحيبًا وسخاء كبيرين من جانبه.
ونشكر ناشر الكتاب الأصلي، السيد روبرت هايد، على تعاونه لتسهيل نشر كتابنا المترجم.
لم نكن لنتمكن من نشر هذا الكتاب بدون وجود دار نشر متفهمة لطبيعة المشروع، لذلك نشكر الأستاذ رجائي موسى، ودار نشر هن، ويعتبر هذا الكتاب التعاون الثالث بيننا، ونحن ممتنون لدأبه ودأب الدار على إخراج الكتب بأفضل صورة ممكنة.
ونشكر الصندوق العربي للثقافة والفنون “آفاق”، الذي لولا دعمه ما تحقق هذا الطموح.
التنسيق بين المحررين والمترجمين وتحديد أي مقال سيتولاه أي مترجم ومحرر كان يحتاج إلى مجهود جبار، لذلك نشكر الأستاذة نهال خليل التي ساعدتنا في تنظيم عملية الاختيار والترجمة والتحرير.
وبالطبع الشكر الأبرز لا بد أن يوجه لمجموعة المحررين والمترجمين الذين ساهموا في هذا الكتاب بحب شديد. كان الكتاب تجربة مختلفة، لم نتوقع أبدًا أن يتحمس لها المحررون والمترجمون بهذا القدر، ولكنهم تحمسوا وجربوا، وتعاونوا لإخراج كتاب نادر من نوعه.
أمير زكي
حسين الحاج