الفن الخفي في ترجمة اﻷدب اﻷجنبي

الفن الخفي في ترجمة اﻷدب اﻷجنبي

الفن الخفي في ترجمة اﻷدب اﻷجنبي

مقال لراشيل كوك

نُشر بجريدة الجارديان يوليو 2016

ترجمة ندى غانم وزينب أبو على وشروق تركي ويارا محمود وشيرين البنهاوي وجهاد الشبيني ونورهان القرم وأسماء رضوان وخديجة الخولي

تحرير: محمد الشعراوي ونهال الهجين

جرت الترجمة ضمن أعمال مختبر سيلاس السابع للترجمة بالقاهرة 2021


في السنة الماضية، قررت أن أكافئ نفسي بنسخة جديدة من كتابي المفضل «صباح الخير أيها الحزن» لفرانسوا ساجان، الرواية التي أحببتها منذ قرأتها لأول مرة في سنوات مراهقتي، والتي أحفظ عن ظهر قلب افتتاحية ترجمتها الأولى عن الفرنسية للمترجمة آيرين آش «إني أتردد في أن أخلع على هذا الشعور المجهول الذي يلاحقني ملله وحلاوته اسم الحزن الجميل» وفكرت، أي نسخة أختار؟ وقع اختياري في الأخير على نسخة فاخرة وجديدة كليًا؛ هكذا توصلت إلى شراء نسخة «كلاسيكيات بنجوين الحديثة» للمترجمة هيذر لويد.

بعد بضعة أيام أثناء استعدادي للنوم، بدأت بقراءة النسخة التي أحضرتها. كانت صدمتي حينها عظيمة و مربكة. قرأت أول جملة وكانت كالتالي، «هذا الشعور الغريب الذي يعتريني، قد استحوذ عليّ تمامًا بإحساس التراخي اللطيف، إلى حد أنني أتردد أن أمنحه شرف اسم (الحزن)، ذلك الاسم الحسن الجليل». كان وقعها على أذني يوحي بعض الشيء بأن إنسانًا آليًا كتبها.

جاهدت نفسي مواصلة القراءة لبعض الوقت، قائلة لنفسي إن التشبث بنسخة واحدة وكأنها شيء مقدس كان غباء، ولعلي قريبًا سأقع في حب هذه الترجمة الأكثر دقة والبارعة بلا شك. لكنني سرعان ما استسلمت. لأن تلك النسخة وبالرغم من دقة تراكيبها اللغوية، جعلت النص يفقد سحره كله. كانت التجربة بالنسبة لي أقرب بخروجي بهدف شراء فستان سهرة حريري و رجوعي المنزل بمعطف من النايلون.

الأسبوع الماضي، ذكرت هذه التجربة إلى آن جولدستاين، المترجمة الشهيرة للروائية الإيطالية إيلينا فيرانتي. ضحكت، عبر الهاتف من نيويورك، وقالت: «أعرف ما تقصدين». وأردفت: «شعوري تجاه بروست أنه مثل سكوت مونكريف، (الذي نشر الترجمة الإنجليزية لكتاب A La recherche du temps perdu «البحث عن الزمن المفقود» بعنوان Remembrance of Things Past في العشرينيات) لم أقرأ الترجمات التي صدرت حديثًا، ولا أريد ذلك، فأنا متعلقة للغاية بنسخته، على الرغم من أن الناس دائمًا ما يشيرون إلى أخطائه». ولم تبد جولدستاين أي إشارة حول ما إذا كانت مدركة أنها بالنسبة للبعض هي المترجمة الوحيدة لرواية «صديقتي المذهلة» والأجزاء الأخرى للرباعية الأكثر مبيعًا للروائية النابوليتانية.

الترجمة مهمة، ولطالما كانت كذلك، بلا شك. إذا كنت مهتمًا بالطرق المختلفة التي تؤثر بها الترجمة على استجابة القارئ للكتب؛ أرشح مجموعة مقالات «من أين أقرأ؟» لتيم باركس التي يطرح فيها أسئلة شيقة حول السوق العالمي للروايات الخيالية، وأيضًا مقال جوليان بارنز الاستقصائي الرائع الذي نشر عام 2010 بعنوان «ترجمة مدام بوفاري». ولكن ربما زادت أهمية الترجمة في الوقت الحالي أكثر من ذي قبل؛ فالأدب الأجنبي على نحو مفاجىء بدأ يجد مكانه أخيرًا في بريطانيا، الجزيرة التي عانت كثيرًا في الماضي لاجتذاب عدد ضخم من القراء. كيف حدث ذلك؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال، ولكن عند الرجوع إلى الوراء، ربما بدأ الأمر مع ساغات الجريمة الاسكندنافية sagas (كتب ستيج لارسون، وهينينج مانكل، ويو نسبو، وآخرين)، عندها بدأنا في التهام كميات كبيرة على مشارف مطلع القرن. ثم ظهرت سلسلة الروايات الاعترافية «كفاحي» للمؤلف النرويجي كارل أوفه كناوسجارد، التي ترجمها دون بارتليت عن النرويجية، لتصبح إدمانًا فريدًا من نوعه عند البعض (صدر المجلد الأول منها عام 2009). وكان مسك الختام مع إيلينا فيرانتي. في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كانت إيلينا فيرانتي في كل مكان. كان كل أصدقائي من محبي الكتب إما قرأوا لها أو ينوون ذلك.

بطبيعة الحال، يحرص كل من الناشرين وبائعي الكتب على الاستفادة من شهيتنا الغريبة الجديدة (استخدام لفظ استغلال بدا غير عادل بعض الشيء في ظل هذه الظروف غير المستقرة نوعًا ما). يرسل إليَّ الناشرون روايات أجنبية جديدة، أو أعمال تجاهلناها مسبقًا، كل أسبوع تقريبًا. من بين الأعمال التي وصلتني هذا العام، وأرشحها بشدة، رواية «مادونا صاحبة معطف الفرو» لصباح الدين علي، ترجمها ألكسندر داو برفقة مورين فريلي، وهي رواية تركية صدرت عام 1943. وأيضاً الرواية الإيطالية «اليوم ما قبل السعادة» لإرّي دي لوكا (ترجمة جيل فولستون)، تدور أحداثها في نابولي، وصدرت عام 2009. ويأتي قبلهم العمل الأخَّاذ «إيقاظ الأسود» للمؤلفة الإسرائيلية أيليت جوندار جاسان وترجمتها سوندرا سيلفرستون.

ومن ناحية أخرى، أصدرت دار دونت للنشر ما أظنه سيكون التالي على قائمة قراءاتي للأعمال الأجنبية لهذا الصيف، وهي رواية «ماري» للمؤلفة الفرنسية مادلين بوردو (ترجمة فيث إيفانز). يظهر في طبعة أنيقة، كتب عام 1940 وتجري أحداثه في باريس الثلاثينيات. يحكي حكاية امرأة تعيش حياة زوجية سعيدة، وتربطها علاقة غرامية مع رجل يصغرها. قورن الكتاب بأعمال بروست وفيرجينيا وولف.

يقول آدم فرويدنهايم الناشر في دار بوشكين برس «تنجح بعض الأعمال على الصعيد المحلي فقط»، وكان فرويدنهايم قد عرفني بأعمال الكاتبة الروسية تيفي (وكذلك جوندار جاسان)، يضيف «لكن، من وجهة نظري، قلما يفقد الأدب الجيد بريقه حين يغادر موطنه». وبالنسبة له، ولدور النشر الأخرى المتخصصة في الأعمال المترجمة مثل هارفيل سيكر وبرتوبيلو وقصص أخرى، ماكليهوس برس وغيرهم، فإن جل تركيزهم ينصب على نشر أعمال عظيمة، وكونه مترجمًا «ليس بالعامل الحاسم». ومن ثم فإن هذا هو ما يفسر به تزايد شعبية الأدب الأجنبي؛ كما يعتقد، مثل آن جولدستاين، أن هذا التحول واقعي بما يكفي ليصبح أمر دائم.

ببساطة، يوجد الآن كثير من الأعمال المترجمة العظيمة؛ أغلفتها جذابة، ومقدماتها ثرية، وترجماتها هي بحد ذاتها أعمال فنية.

وهو ما يعيدني إلى حيث بدأت. في علامة أخرى على الطريقة التي تتغير بها الأمور، أطلقت وترستونز في العام الماضي مدونتها الشهرية «كلاسيكيات مُعاد اكتشافها» مستهلين برواية الكاتبة فرانسوا ساجان Bonjour Tristesse «صباح الخير أيها الحزن». كنت سعيدة بذلك، لكن خاب أملي -ذلك أقل ما يقال- إذ وجدت طبعة بنجوين للكلاسيكيات الحديثة متراكمة في المتاجر في انتظار قراء جدد. لذلك فإن ما أود قوله الآن هو: إذا كنت قد قرأتها في حينها وكرهتها، أعد قراءتها مرة أخرى من فضلك، فقط هذه المرة كلف نفسك بقراءة الترجمة البديعة لآيلين آشز، الصادرة عام 1955. قصة مراهقة تدعى سيسيل، تكتشف خلال عطلة استثنائية في الريفيرا أن أباها الحبيب سيتزوج ثانيةً. أراهن أنها ستسحرك، سواء كنت تقرأها بجانب المسبح أو عالقًا ببيتك في بريطانيا تشاهد الأمطار.

ديبورا سميث، تترجم من الكورية إلى الإنجليزية: «هان كانج سخية جدًا، وتدعو الكتب (مؤلفاتنا المشتركة)»

ديبورا سميث مترجمة «النباتي» للكاتبة الكورية هان كانج. هي وكانج تشاركتا الفوز بجائزة مان بوكر الدولية لعام 2016. وهي أيضًا مترجمة رواية كانج الأحدث «أفعال بشرية»، وتترجم لكاتب كوري آخر يدعى باي سواه. تعيش في لندن، حيث أسست مؤخرًا «تيلتد أكسس برس» Tilted Access Press دار نشر غير ربحية؛ أول إصداراتها، «بانتي» للكاتبة سانجيتا بانديوباديهاي، الذي ترجمته أرونافا سينها عن البنغالية، متوفر الآن في الأسواق.

بدأت تعليم نفسي اللغة الكورية عام 2010، قبيل أن أبدأ ماجستير في الدراسات الكورية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (بلندن). كان اختيار الكورية عشوائيًا جدًا؛ وبالعودة إلى الوراء، لا يبدو منطقيًا. كانت عندي تلك الفكرة بأنني أريد أن أصبح مترجمة. أحببت القراءة والكتابة، ورغبت دائمًا أن أتعلم لغة؛ كنت في الثانية والعشرين، أتحدث الإنجليزية فقط، وهو ما كان محرجًا بعض الشيء. كنت أعرف أن الكورية لغة يدرسها قليلون هنا، وشعرت أن ذلك يجعلها مثيرة للاهتمام، وأنها ستعطيني مكانة متميزة. لا أعلم إذا كانت الكورية صعبة التعلم؛ ليس لدي ما أقارنها به. لكنني تعلمت فقط قراءة الكورية. ما زلت أجد صعوبات في التحدث بها.

لم أقع في حب الكورية بل أردت أن أكون مترجمة بسبب حبي للغة الإنجليزية. أجد بعض جوانب الكورية جميلة جدًا، ولكن ليس لها وقع الإنجليزية عليّ. الأمر وما فيه أنني أغرمت ببعض الكتّاب. إنها لغة ذات خصوصية؛ وفيها يأتي الفاعل ثم المفعول به ثم الفعل، هكذا فإن كثيرًا من المعلومات تتأجل حتى نهاية الجملة (عادة ما يستخدم الكتاب الكوريون تركيبة اللغة لبناء التوتر في النص). كما أنها لغة تهتم بالرسميات، وتستخدم الألقاب الشرفية. كوريا مجتمع كونفوشيوسي تقليدي، مما يعني أنه تراتبي قائم على السن. لكن هذه النقاط لا تتطلب الكثير من الانتباه حيث أنها لا تتغير. الأصعب هو الاعتماد على الغموض والتكرار. تكرار الكلمات في الإنجليزية ليس له نفس التأثير الشعري كما في الكورية، والتشبيهات الكورية فضفاضة، ففي التشبيه لا تحدد أوجه الشبه بين العنصرين. هذا لا يناسب قارئ الإنجليزية؛ سيظن أن «ثمة خطأ ما». لهذا السبب أحاول جعل التشبيهات فضفاضة بدرجة أقل، آملة ألا تكون هذه الطريقة مملة.

لم أعمل حتى الآن إلا مع كاتبتين فقط. هانج كانج إنجليزيتها جيدة، لذلك فهي تقرأ ترجماتي وتناقشها معي لاحقًا. هي ليست واحدة من أولئك المؤلفين المزعجين الذين يحكي عنهم بعض المترجمين. فهي دائمًا شديدة الكرم في تعاونها. تؤمن أن الترجمة عمل فني قائم بذاته، وتدعو النسخ المترجمة “مؤلفاتنا المشتركة”. أما باي سواه فلا تقرأ الإنجليزية ولا تتحدثها، لكنها مترجمة (من الألمانية إلى الكورية) وترى الترجمة بوصفها كتابة إبداعية. إنها تؤمن أنني أفضل من يعرف كيف أجعل كتابًا يحيا في لغتي.

لا أريد أن أنصب نفسي رائدة استعمارية. هناك الكثير من المترجمين الذين عملوا لسنوات طويلة في ترجمة الأدب الكوري، ولا يعني عدم حصولهم على جائزة كبيرة أن أعمالهم غير مهمة، بل أن هناك الكثير للعمل على ترجمته! الأدب الكوري بالغ القوة، يمتلك ديناميكية وتنوعًا. إننا نشهد تحولًا كبيرًا؛ كتب مثل «النباتي»، مشهورة ومحتفى بها نقديًا، خلقت قراء وناشرين وبائعي كتب أكثر اهتمامًا بالترجمة بوجه عام. ولأن الأعمال المترجمة تشكل نسبة صغيرة مما ينشر، تبدو وكأنها جميعًا تحمل ختمًا مميزًا، فخير الأعمال المترجمة وأكثرها تميزًا هي التي تحظى بالنشر.

آن جولدستين، من الإيطالية إلى الإنجليزية: «لا أخترع شيئًا جديدًا، ولا أشعر أن هذه وظيفتي» 

اشتُهِرت آن جولدستين بكونها مترجمة الرباعية النابولية للروائية الإيطالية إيلينا فيرانتي، والتي حققت مبيعات تتجاوز مليون نسخة. حررت الأعمال الكاملة للكاتب الإيطالي لـبريمو لِڤي، التي حصلت بها على زمالة جوجِنهايم للترجمة، وعملت على كتب لأليساندرو باريكو وجاكومو ليوباردي. وتُنشر الشهر المقبل ترجمتها لرواية «أطفال الشوارع» Ragazzi di vita لبيير باولو بازوليني. ترأس قسم النسخ في مجلة النيويوركر منذ عام 1980.

لم أتعلم الإيطالية إلا بعدما جاوزت الثلاثين، عندما بدأت في حضور دروس أسبوعية مع بعض زملائي في المكتب. كان الإلهام لذلك هو أنني أردت أن أقرأ «الكوميديا الإلهية» باللغة الإيطالية، وجررت الجميع معي. وبعد ذلك بخمس سنوات، عام 1992، تلقى بوب جاتليب، محرر مجلة النيويوركر، مخطوطة باللغة الإيطالية ألفها ألدو بوتسي. أرسلها إليه رسام الكاريكاتير سول شتاينبرج، وهو صديق بوتسي. أراد بوب أن يكتب تعليقًا لسول، لذا طلب مني قراءتها حتى يعرف ماذا يقول. قرأتها وأحببتها، لذلك قررت أن أحاول ترجمتها – ونشرها بوب. بعد عام من ذلك، طلب مني أحدهم ترجمة كتابي الأول. إنه شعور غريب أن أكون مترجمة معروفة الآن؛ أمرٌ غير متوقع تمامًا. تذهلني فكرة أن مترجمًا قد يكون -بأية حال- مشهورًا.

لا أجيد التحدث بالإيطالية مثلما أجيد قراءتها، لكنني أحب اللغة ولذلك تعلمتها. إنها لغة جميلة؛ موسيقية، ومعبرة للغاية. تفعل الكثير من الأشياء الصغيرة التي لا تفعلها الإنجليزية؛ فمثلا، يمكنك إضافة لاحقة اشتقاقية إلى الكلمات لمنحها جميع أنواع الفوارق الدقيقة. أحد أكثر هذه اللواحق وضوحًا هي «issimo»، ولكن ثمة كثير غيرها. أفضل أن أظل قريبة من النص وأنا أترجم. يفترض بالطبع أن نستحسن قراءته بالإنجليزية. إلا أنني لست روائية. لا أشعر أنني أعيد الكتابة أو أبتكر شيئًا جديدًا. لا أشعر أن هذه وظيفتي. في المسودة الثالثة أو الرابعة، يُحتمل أن أعمل بدون النص. لكن في النهاية، أعود إليه، حتى أتأكد أنني لم أحد عنه كثيرًا. لم أعمل عن قرب مع كُتَّاب كثيرين، لأن كثيرين ممن ترجمت لهم ماتوا؛ لكنني عملت مع إيلينا فيرانتي، وهي كاتبة منسحبة من الأضواء. لقد تواصلتُ معها من خلال ناشريها. هي لا تتدخل على الإطلاق؛ قالت إنها تثق فيَّ، ما بدا كأنها تجاملني.

لقد كان نجاح رواياتها مذهلًا؛ ظاهرة. هناك شيء جذَّاب عالميًا بشأنها، بصرف النظر عن مقروئيتها العالية. أنا لست ناقدة، ولم أقرأ الكثير من الروايات المعاصرة، لكن من قرأهم يعتقد بأنه ما من شيء يضاهيهم. ثمة شيء في الطريقة التي تتناول بها العلاقات العاطفية. تتعرض الروايات لأشياء قد لا تتعرض لها أنت بالضرورة. ترجمتُ أولًا «أيام الهجران» (عن امرأة تدخل في حالة من «غياب الحس» عندما يهجرها زوجها). كان علينا جميعًا أن نقدم نسخة من الفصل الأول، وقاموا باختياري. أتذكر أن النص كان مسيطرًا عليَّ تمامًا. إنه قوي جدًّا، وهي قصة نعرفها جميعًا، لكنها جعلتها، بطريقة ما، أكثر حدة وتكثيفًا، وأكثر إثارة للاهتمام.

هل سأقابلها يومًا؟ لا أعلم. لقد فقدتُ نوعًا ما الاهتمام بذلك! أعتقد أن لدي هذا الانطباع القوي عنها من قراءة كتبها مرات عديدة. تربطني بها علاقة وثيقة، على الرغم من أنني في الواقع لا تربطني بها علاقة. انتهيت مؤخرًا من ترجمة «فتات» Frantumaglia، ومجموعة من رسائلها ومقابلاتها والمزيد من المقالات الشخصية. إنها تعطي إحساسًا قويًّا بأنها شخص شديد الذكاء؛ يفكر في الأشياء بطريقته الخاصة، وقرأ كثيرًا، وبإمكانه أن يكتب مستخدمًا ذلك دون إقحام. لها نظرة تحليلية ونقدية، وتعرف ما في رأسها، ولا تريد إهدار الوقت. إذا تلقيتُ منها رسالة إلكترونية طالبة اللقاء؟ نعم، سيربكني هذا قليلًا. قبل أي شيء، سيكون عليَّ أن أتدرب على إيطاليتي.

إديث جروسمان، مترجِمة من الإسبانية إلى الإنجليزية: «فكرتُ أن المكوث في المنزل والترجمة متعة لا تضاهى»

اشتُهِرتْ إديث جروسمان بترجماتها لأعمال ماريو فارجاس يوسا، وألبارو موتيس، وميجيل دي ثربانتس، وجابرييل جارثيا ماركيز (الذي أشار في مرة إلى أنه يفضِّل النسخة المترجمة من أعماله). وقد أوصى هارولد بلُوم بترجمتها لرواية «دون كيخوته» الصادرة عام 2003، وذلك «للجودة الاستثنائية التي تتمتع بها لغتها النثرية». حصلتْ في عام 2006 على ميدالية «رالف مانهايم للترجمة» من نادي القلم الدولي «PEN»، وعلى جائزة الترجمة من معهد الملكة صوفيا الإسباني، عن ترجمتها الصادرة عام 2008 «مخطوطة من الرماد» لأنطونيو مونيوث مولينا. تعيش في مدينة نيويورك.

أولى ترجماتي كانت في أوائل السبعينيات. أبلغ الآن ثمانين عامًا، أي أن عمري حينها كان ثلاثين عامًا تقريبًا. كنتُ قد تعلمتُ الإسبانية، ولم أكن واثقة مما سأفعله. فكرتُ في إمكانية أن أعمل مترجمة فورية أو أي شيء، لكنني كنتُ في معهد الدراسات العليا وقتها، وفكرت في أنه لا بأس من أن أصير ناقدة أدبية لأنني أحببتُ الكتابة عن الكتب، وتخصصتُ في الأدب الإسباني وأدب أمريكا اللاتينية.

بعدها، سألني صديق كان يعمل محررًا لمجلة أن أترجم قطعة لكاتب أرجنتيني يدعى ماتشيدونيو فرنانديز، فقلت: «رونالد، أنا لست مترجمة، أنا ناقدة!». قال: «إدِي، يمكنك أن تسمّي نفسك ما تشائين، ترجمي القطعة اللعينة وحسب»، وهكذا قمتُ بترجمتها. كان ماتشيدونيو أغرب ما يكون رجلًا أو كاتبًا. ترجمتُ تلك القطعة، التي كانت بعنوان «عملية الاستئصال النفسي»، وقد كانت حقًّا رائعة. هذا الإجراء الذي بموجبه تستطيع التخلص من أجزاء معينة في ذاكرتك؛ شئ مستوحى من أفلام الخيال العلمي التليفزيونية. جعلني ذلك أفكر في أن المكوث في المنزل والترجمة متعة لا تضاهى. وفكرتُ في أنه لم يكن عليَّ التجهز للذهاب إلى العمل، ويمكنني التدخين كما أشاء. وفكرت أن هذا مثالي، هذا بالنسبة لي توجه مثالي للعمل. ومن ثمَّ صرت أترجم على نحو متزايد.

في أحد الأيام هاتفني وكيل أعمال، قائلًا: «هل أنتِ مهتمة بالترجمة لجابرييل غارثيا ماركيز؟». قلتُ له: «هل تمازحني؟». كان العمل هو ترجمة مؤَلَّفهِ العظيم «الحب في زمن الكوليرا»، وقد استغرقت ترجمة الكتاب ستة أو سبعة أشهر. وبما أنه ما من نقابة تمثلنا، أميل للعمل سبعة أيام في الأسبوع، وأستمر في العمل ساعات عديدة بالقدر الذي تسمح به طاقتي. الآن صارت المسألة متعلقة أكثر بالإرهاق الجسدي، والمدة التي يمكنني فيها الجلوس على مكتبي.

أقرأ الكتاب دائمًا قبل الشروع في الترجمة، إلَّا أن مترجمة صديقة أخبرتني يومًا أنها لا تقرأ الكتاب أولًا أبدًا. فكرتُ: «يا للروعة، هذه طريقة أخرى!»؛ إذ إنك تضع نفسك، كليًّا، مكان القارئ، وفي كل مرة تنتقل فيها إلى صفحة جديدة تنتظرك مفاجأة. حاولتُ فعل ذلك وأحببته إلى حد كبير، رغم أنني اعتدتُ أن أدلي بآراء قاطعة تعدد فضائل قراءة الكتاب أولًا. لا أجري الكثير من البحث أو التحضير؛ لطالما كان رأيي أن الكاتب سيخبرني بأي مما أحتاج معرفته.

لا وجود لما يُسمَّى بالترجمة الحرفية، فاللغات نظم مختلفة تمام الاختلاف ولا يمكنك فرض الإسبانية على الإنجليزية أو العكس. للإنجليزية تركيبتها الخاصة ومعجمها الخاص، وكذلك الإسبانية، ولا يشغل الإثنان المساحة ذاتها. لو كانت المسألة متعلقة بعدم قدرتي على ترجمة فقرة بسبب وجود كلمات لا أعرفها ولا يمكنني العثور عليها في أي مكان (على الإنترنت أو في معاجمي)، فإنني حينئذ أسأل المؤلف. وإن كان المؤلف قد توفي، فإنني (مثلما يقولون) أرتجل، وأفعل أفضل ما بوسعي.

اضطررت لإعادة قراءة أعمال من ترجمتي، لأنني كنت أستخدمها في فصول أُدرِّس فيها أدب أمريكا اللاتينية المعاصر. أجد دائمًا صفحات وصفحات كان من الممكن أن أترجمها بطريقة مختلفة تمامًا. لكن، مثلما تعلمون، كان هذا أفضل ما استطعت القيام به في ذلك الوقت، ولذلك لا يسعني أن أندم. 

أكثر كتاب أفخر به هو ديوان شعر بعنوان «الخلوات» لشاعر من القرن السابع عشر لقبه جونجورا، وهو أصعب شعر صادفته في أي لغة؛ تراكيب شديدة التعقيد. وهو شعر بديع وجميل بكل معنى الكلمة. وخطر إليَّ أنه: يا الله، إذا تمكنت من القيام بهذا، فيمكنني أن أثب مبان طويلة بقفزة واحدة؛ لا يوجد شيء لا يمكنني فعله.

أعتقد أنني أستمتع بدون كيخوتهِ أكثر من أي كتاب آخر؛ لقد وقعت في حب تلك الرواية مرارًا وتكرارًا. في بداية الألفينيات، كنت أشعر بالخوف والحماسة تجاه احتمالية ترجمتها. كنتُ قد ذكرت في مكتوب إلى جارثيا ماركيز أنني أترجمها، وكان أول ما قاله لي عندما تحدثتُ إليه على الهاتف في وقت لاحق: «لقد سمعتُ أنك تخونيني مع ثربانتس».

كثيرًا ما أفكر في الترجمة بوصفها ممارسة سماعية شفاهية؛ يجب أن تكون قادرًا على سماع لغة الأصل، ويجب أن تكون قادرًا على سماع النغمات وما تحاول اللغة أن تظهره بشأن ذكاء المتحدث وطبقته. في تجربتي مع الإسبانية، يجب أن تكون قادرًا على سماع ذلك. وبعدها، يجب أن تكون قادرًا على قولها بالإنجليزية. أتدري أن أحد الحمقى سأل جريجوري راباسا، أول من ترجم مئة عام من العزلة لجارثيا ماركيز، إن كان مُلمًّا بما يكفي من الإسبانية لترجمة العمل. وقد ردَّ جريجوري: «لقد سألتني السؤال الخطأ. السؤال الصحيح هو: هل أنا مُلمٌّ بما يكفي من الإنجليزية؟».

جورج سيزرتس، المترجم من المجرية إلى الإنجليزية، «لن يقترب أحد من نصك مثلما يفعل المترجم»

جورج سيزرتس شاعر ومترجم. ولد في بودابست سنة 1948، قدم إلى إنجلترا لاجئًا في عمر الثامنة وتعلم المجرية مرة أخرى بعدما كبر. ترجم للعديد من الكتاب المجريين بما فيهم إمرا موداتش، وساندور ماري، ولازلو كراسنوركايي ( الفائز بجائزة مان بوكر الدولية لعام 2015). فاز بجائزة ديرِّي عن ترجمته لإمرا موداتش « تراجيديا الإنسان»، وجائزة ترجمة الشعر الأوروبي عن «حياة جديدة» لراكوفسكي.

من بين أربعتنا الذين عبروا الحدود إلى النمسا عام 1956، كان والدي هو الناطق الوحيد بالإنجليزية. وما تحدث به، كان مما تذكره من أيام دراسته. كانت لدي نسخة مزدوجة اللغة من كتاب «نحن الآن ستة» لآلن ألكسندر ميلن، منها تعلمت المفردات الضرورية مثل: and, but, so

أصرّ والداي بمجرد وصولنا إلى إنجلترا أن نتحدث الإنجليزية. ذهبنا إلى فصل تعليم اللغة للاجئين، وبينما تحدث والداي المجرية إلى بعضهما، تحدثا الإنجليزية فقط معنا، رغم أن والدتي نفسها كانت قد بدأت للتو في تعلم الإنجليزية. كان هذا صعبًا على أخي الأصغر، لكنني وقد بلغت الثامنة من عمري، فقد أحسنت تولي اﻷمر . خلال بضعة أشهر، بلغت مركزًا متقدمًا في مدرسة إنجليزية بلندن. وهكذا استمر الأمر لعدة سنوات من الدراسة دون كتب مجرية، ودون أصدقاء مجريين، حتى فقدتُ مجريتي.

عندما بدأت كتابة الشعر في الثامنة عشرة، كان طبيعيًا أن أكتب بالإنجليزية. التحقت بمدرسة الفنون لمدة خمس سنوات، وكتبت طوال الوقت، كنت محظوظًا بمرشديني (mentors). ونشرت ثلاثة كتب وقت عودتي الأولى إلى المجر في 1984 في عمر الخامسة والثلاثين. في ذلك الوقت، طُلب مني ترجمةً لشعر من المجرية إلى الإنجليزية. احتجت للمساعدة في البداية، لكن خلال عامين كنت أعمل بمفردي. علمني الشعر الذي ترجمته الكثير وأثرى الشعر الذي أكتبه. تعلّمت أصواتًا وأساليبا أخرى لنظم الشعر. ثم اتجهت إلى ترجمة الرواية.

أسلوبي مع الرواية عامة يبدأ بقراءة الفصل الأول ثم القيام بالترجمة. إنه بعيد عن النهج الأكاديمي، أو -بتعبير ألطف- غير متحذلق. أصغي لنبرة الصوت وأسعى لإيجاد صوت مشابه في الإنجليزية، قد يكون بوسعه إيصال التجربة التي يمر بها القارئ المجري إلى الإنجليزية. يبدأ السرد من هنا.

نميل للتفكير في الترجمة من زاوية القواميس، لكنها فقط البداية. تتضمن الدقة الأدبية مفاهيم مثل التأثير والإيقاع والنوع والحدة وغيرهم الكثير. لا يوجد دائمًا نظير مماثل تمامًا لكلمة أو جملة؛ وقعها هو ما يهم. يُعد تأثير الكلمة حكمًا شخصيًا بشكل جزئي، وكذلك عملية الكتابة. لا شيء في الإنجليزية يعكس صدى عامية بودابست. لن تحمل كلمة melancholy بوضوح معاني كلمة bús (تنطق بوش) المجرية التي تستحضر تاريخ فترة أدبية كاملة. لذلك يجب إيجاد شعور مماثل.

معظم من ترجمت لهم ماتوا منذ زمن. الموتى لا يتنازعون. أما الأحياء فإن أفضلهم، مثل لاسلو كراسناهوركاي، «يسمع» الترجمة مثلما يسمع رأي المحرر، ويثق بالمترجم الذي لا يمكن أن يكون مثاليًا بطبيعة الحال. نادرًا ما نتحدث أثناء عملية الترجمة.

المترجمون فئة ذات تركيز حاد. وأنا أقدرهم كثيرًا. لن يقترب أحد من نصك مثلما يفعل المترجم. في لغة متحققة بضخامة مفرداتها كالإنجليزية، فإن صدمة دخول معنى غريب إليها قد تكون ممتعة. جائزة مان بوكر الدولية هي وسيلة تدفعنا خارج منطقة الراحة. وبعد سنوات عديدة، بدأت حقًا في الاعتقاد بأن الأدب المترجم صار مألوفا أكثر.

دون بارتليت، مترجم من النرويجية والدنماركية والسويدية والإسبانية إلى الإنجليزية: «مشيت في أنحاء أوسلو كي أجد موقع الجريمة»

منذ حصل على درجة الماجستير في ترجمة الأدب، بجامعة إيست أنجليا بإنجلترا* عام 2000، ترجم دون بارتليت عددًا من مؤلفات كتاب نرويجيين ودانماركيين، بينهم يـو نسبو، ولارش صابي كريستنسن، وروي جاكوبسن. وقد ترجم الأجزاء الستة من السيرة الذاتية لكارل أوفه كناوسجارد، المعروفة باسم كفاحي، التي استقبلها الناس باعتبارها ظاهرة أدبية، منذ نشر جزئها الخامس هذا العام، «لا بد لبعض المطر أن يسقط». يعيش بارتليت مع أسرته في مدينة نورفولك.

حين بدأت العمل كمترجم مستقل، أتذكر كيف كان الناشرون يخبروننا أن الترجمات لا تباع. وأظن أن القراء انتابهم قدر من الخوف والريبة أن يتلقوا مزيدًا من الترجمات الأكاديمية. لكن الأمر تحول تمامًا عما كان عليه. بدأ هذا التحول مع رواية بيتر هوج «شعور الآنسة سميلا تجاه الثلج» خلال التسعينيات، وبعدها بالتأكيد مع ستيج لارشون. فقد صار الناشرون أكثر ميلًا للمغامرة.

درست الألمانية في الجامعة، وعملت في النمسا وانتقلت للدنمارك ثم عدت إلى إنجلترا وتزوجت من إسبانية، الأمر الذي تطلب أن أتعلم الإسبانية. وقد بدأت في القراءة بالنرويجية. لكن لا يملك المرء سوى رأس واحد ولا يمكن التركيز في كل شيء. فبينما تتطور لغة فإن لغة أخرى تضمر. ليس أمامك سوى أن تتقبل أنه ما من شيء مثالي. عندما أترجم أفضل أن أكون بالمملكة المتحدة، فاللغة الإنجليزية حولك في كل مكان، وربما يقول الناس أشياء تجعلك تفكر « نعم، هذه هي الكلمة».

هناك أوقات يكون عليَّ السفر إلى النرويج لإجراء بحث. عندما بدأت في روايات جو نسبو، قضيت أوقاتًا أمشي في شوارع أوسلو محاولًا اكتشاف أين كانت الأشياء؛ أين كانت هذه المقبرة؟ أين كانت جريمة القتل؟ زرت أوسلو مرة لحيرتي بشأن أوصاف صاري تزلج تحديدًا، والذي لا يوجد مثله في إنجلترا. تسلقت تلة في الثلج والضباب وأخيرًا حصلت على صورة لهذا الصاري حتى أكون أكيدًا من الترجمة. الكلمات يمكن ترجمتها عادةً ولكنها قد تكون طويلة متعرجة وليست فصيحة كالأصل. كما تؤثر الثقافة، لا يتصرف النرويجيون بنفس طريقتنا. يميلون دائمًا للهزيمة في هذه الروايات وهذا ليس من شأن الإنجليز. ثمة توتر دائم بين الالتزام بالترجمة الأصلية وسلاسة الترجمة. لدى كناوسجارد جمل طويلة، لا يفصلها سوى فصلات؛ لذلك، ما تريده هو إعادة بناء هذا التكثيف بدلًا من تقسيم الجمل باستخدام النقطتين والفاصلة المنقوطة، على الرغم من ملائمة ذلك أكثر لأسلوب الإنجليزية.

كان إيجاد الصوت الصحيح في حالة نسبو مرتبطًا بتخيل هاري (هول) -الشخصية الرئيسية- والتفكير في نوع الشخص الذي هو عليه. بالنسبة لكناوسجارد، وفي وجود ضمير المتكلم، كان الأمر أكثر صعوبة. كنت أحاول الدخول إلى عقل كارل أوفه ولقاءه وتبين الشخص الذي أصفه. كل الشخصيات -أعلم أن هذا مثار جدل- حقيقية بدرجة ما. كارل أوفه موجود، وكذلك زوجته وأصدقائه. لذا فليس من مصلحتك أن تتبنى فهمًا خاطئًا.

علاقتي جيدة مع كارل أوفه. أرسلت له في الأصل 50 أو 60 صفحة من الرواية الأولى وسألته إذا كنت قد فهمت النبرة والإيقاع بشكل صحيح. كتب لي قائلًا: «نعم، هذا أنا». ثم علّق إنه لم يُرد أن يتدخل كثيرًا. سألته حول بعض الأجزاء ولكنه حقًا لم يتدخل. ألقى نظرة على الكتب، وأينما يذهب، بالطبع، يكون عليه أن يقرأ على الحضور بعض المقاطع، لذلك كان مُهمًا أن يجد ذات الإيقاع الذي كان يشعر به حين كتبهم.

ماليني موثنر، مترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية: «تسمع تنويعات مختلفة للغة الإنجليزية في جنوب لندن»

عرفت موثنر بترجمتها لأعمال الروائية الرواندية سكولاستيك موكاسونجا، كما أنها عملت محاضِرة لعلم الاجتماع قبل أن تصبح مترجمة. حصلت على برنامج زمالة هوثرندن في 2013 لترجمة مجموعة موكاسونجا «الجوع» (L’Iguifou). في عام 2014 حصلت على جائزة الصوت الفرنسي عن ترجمتها «نوتردام النيل»، كتاب موكاسونجا الأول. كما تمارس عملها كجزء من ائتلاف كتاب لندن «مطبخ ماليكا للشعر» (Malika’s Poetry Kitchen).

عندما كنت أترجم نوتردام النيل كان هناك الكثير من المصطلحات غير المألوفة لدي وكان من المهم اكتشافها، على سبيل المثال «الشمع الإفريقي» (un wax africain). كنت أمشي في أزقة سوق بريكستون حين خطوت إلى محل أقمشة، واكتشفت معنى المصطلح: عملية صباغة القماش بالربط باستخدام الشمع، الأقمشة التي تستخدم لاحقًا في فساتين النساء وأرواب الرجال. بقراءة رواية شيماندا نجوزي «أديتشي» وقتها، وجدت أن الترجمة الأفضل ستكون «اللاف» (wrapper).

هكذا أقوم بالترجمة: أبدأ بقراءة الكتاب كاملًا، كما أقرأ كتبًا أخرى لنفس الكاتب/ة ليتكون في ذهني صوت نثره وطابعه. التحدي هو إيجاد صوت مشابه في الإنجليزية. هل أسلوب سكولاستيك موكاسونجا سيكون أشبه بجامايكا كينكيد أم توني موريسون أم برناردين إيفاريستو؟ المشي في بريكستون كان مفيدًا. في مكتبتها صادفت لأول مرة القصص القصيرة لهذه الكاتبة الرواندية. تسمع في جنوب لندن «إنجليزيات» متعددة: الإفريقي والإفريقي الكاريبي واللاتيني. تكتب موكاسونجا بفرنسية كلاسيكية شاعرية. تأمل تشينوا أتشيبي أو نادين جورديمير. كان لابد أن أجد إنجليزية محايدة وسلسة ودافئة ورقيقة ومرحة. علمت أني ساحتفظ بكل الكلمات الكينيارواندية التي تصف النبات والقماش والطعام والطقوس الروحانية.

ما الذي يتطلبه الأمر؟ الكثير من القراءة والكثير من الإنصات للتنوع الثري للهجات الإنجليزية المنطوقة اليوم. مهمتي كمترجمة هي أن أنصت لانسيابية النص وإيقاعه وبنائه ووقعه وإلقائه، حتى أسمعه على نحو جديد في رأسي. أقوم بهذا/ العمل بهدف إعادة كتابة/تأليف النص. أريد أن يكون للنص لدى القارئ الجديد نفس وقع الكتاب علي حين أقرأه بالفرنسية، بملمسه ولونه، وكأنه خطى داخل لوحة، صوتًا وصورة.

كأي عمل مكتوب، أصعب خطوة في العمل عليه هي تحرير مسوداته. هي عملية بطيئة تهدف إلى التأكد من أن القاريء لن يتعثر أو يصطدم بكلمة أو جملة مربكة. أعمل مباشرة حتى أصل إلى مسودة أولى ثم أعيد الكتابة إلى أن أشعر كما لو كان النص مكتوبًا بالإنجليزية.

لم أقابل الكاتبة، لكننا تراسلنا عبر البريد الإلكتروني بعدما أرسلت لها بعض الاستفسارات. أنا محظوظة لأن الكثير من المترجمين المخضرمين والمتحققين يشاركون نصائحهم وخبراتهم بكرم شديد. إنه مجتمع حيوي وداعم يضم العديد من ورش العمل والمدارس الصيفية والمؤتمرات، حيث يمكن للمترجمين الجدد أن يتعلموا من المحترفين. كقارئة، أشعر بامتنان بالغ للمترجمين الذين يعيدون خلق عوالم يَـتسيك هوجو بادر (Jacek Hugo-Bader) وإيري دي لوكا (Erri de Luca) وجوزيف روث (Joseph Roth) مثل أنطونيا ليود جونز (Antonia Lloyd-Jones) من بولندا، ودانيال فالين (Danièle Valin) من إيطاليا، وستيفاني بينسل (Stéphane Pesnel) من ألمانيا.


الترجمة خاصة بترجمان وسيلاس القاهرة

تحتفظ المترجمات بحقهن في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتهن دون إذن منهن

اترك تعليقاً