تيم باركس: لماذا يستحق المترجمون قدرًا من الثناء؟

تيم باركس: لماذا يستحق المترجمون قدرًا من الثناء؟


لماذا يستحق المترجمون قدرًا من الثناء؟ (أبريل 2010)

مقال لتيم باركس الروائي والمترجم البريطاني المقيم في إيطاليا

ترجمة: إيناس عبد الله – سلسبيل صلاح – سماح أنور – عالية عادل – عمر عبد الرازق – منار إمام – منار شريف – ميرهان فؤاد

ترجم هذا المقال عن جريدة الجارديان ضمن أعمال الدورة الرابعة من مختبر الترجمة بمعهد القاهرة للعلوم والآداب الحرة بالإسكندرية (سيلاس الإسكندرية) – ربيع 2019.

الترجمة خاصة بموقع ترجمان وسيلاس الإسكندرية

يحتفظ المترجمون بحقهم في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتهم دون إذن منهم

*

إذا سألنا عمن نقل أعمال ميلان كونديرا التي نعشقها للإنجليزية؟ فالإجابة: المترجم مايكل هنري هايم. وماذا عن أعمال الأديب التركي أورهان باموق الذي نحسب أنَّه شخصٌ فائق الذكاء؟ إنها الروائية والمترجمة الأمريكية مورين فريلي. ومن ترجم أعمال المثقف المُبدع روبرتو كالاسو؟ حسنًا، إنه أنا.

ينبغي على المترجم أن يؤدي عمله ثم يختفي. لكنَّ الكاتب البارع، ذا الأسلوب الآسر والإبداعي، يحب أن يذيع صيته في أنحاء المعمورة، وآخر ما يريده هو قبول فكرة أنَّ معظم قرائه لا يقرؤون له بالفعل. 

وكذلك يشعر القُرَّاء. فهم يرغبون في أن يأنسوا بنصٍ عظيم، لكن لا يهمهم معرفة ما إن كان هذا الكلام المنثور كُتِبَ مقابل ثمنٍ بخس في منزل صغير في بريمن، أو في إحدى شقق البنايات الشاهقة في ضواحي أوساكا؛ أي طفلٍ يرغب في معرفة أنَّ كاتبته المُفضَّلة جوان رولينج هي في الواقع مُتقاعدة تدخن بشراهة؟ حين ألتقي بقُرَّاء رواياتي أجدهم يخيب أملهم فور معرفتهم أنني أعمل مترجمًا أيضًا، كما لو كان هذا بمثابة أمر مهين لمؤلفٍ كانوا يحسبونه ذا شأنٍ.

يوجد تشابك بين العولمة والفردية، فجميعنا يستطيع أن يشاهد أي فيلم ويقرأ أي كتاب أيًا كانت لغته ونخلص لنفس الخبرة، نحتاج لوقفة لتذكرنا بأننا نحتاج خبير ليتوسط بيننا، فما يصل للقارئ الصيني هو النسخة الوسيطة من مؤلفاتي وما أقرأه هو النسخة الوسيطة لمؤلفات دوستويفسكي.

منذ عدة سنوات، انتقد كازو ايشيجورو زملائه من الكتاب الانجليز بشدة لجعلهم مؤلفاتهم عصية على الترجمة، وقد ادعى أنه قد طور أسلوبه الرشيق لضمان ترجمة مؤلفاته في أرجاء العالم. لكن ماذا لو حد شكسبير من تورياته لصالح قراءه الفرنسيين؟ أو لو اهتم ديكنز بجعل ميكاوبر يتحدث اليابانية؟

بالنسبة لكونديرا، تبدو الترجمة إشكالية كبيرة. فقد كان قلقًا من ابتذال أسلوبه ومرتعبًا من اليد العليا للمترجم، فبدلًا من يتبع المترجم أسلوب المؤلف، ينصاع أغلب المترجمين لسلطة النسخة التقليدية من اللغة الفرنسية أو الألمانية أو الايطالية.

الخروج عن اللسان التقليدي له معنى في سياق اللغة التي ينبع منها، عندما كتب لورانس عن جودرون التي تعاني من الأرق في رواية نساء عاشقات أنها «دُمرت في وعي مثالي» فقد نال مراده، لكن ماذا لو فُهم الدمار بصفته تحولًا وماذا لو رأينا الوعي بشكل سلبي؟

لن تعرف أبدًا ماذا فعل المترجم بما ترجمه، لقد أولي اهتمامًا بالغًا بالفوارق البسيطة والمضامين الثقافية، مدركًا لكل الأعمال التي سبقته ثم شرع في إعادة كتابة هذه الأشياء المعقدة والمستحيلة بلغته، وإعادة تحرير كل شئ وتغيير كل شئ بلغته، أو أقرب ما يكون لتجربة النص الأصلي. في كل جملة، ينبغي أن تمتزج أقصي درجات الأمانة مع أقصى درجات الإبداع الأصيل، هكذا يكون عبء المهمة، دائما ما أحتاج عندما أكتب رواياتي إلى بذل مجهود كبير من التنظيم والخيال، لكن الترجمة تحتاج لمجهود ذهني أكبر مع كل جملة.

لكن الإيجابي في الأمر أنه عند النظر إلى الخبرة المكتسبة من الالتحام بعمل آخر فإنها تعادل سنة من فصول الكتابة الابداعية. إنها لخسارة أن القليل من الكُتاب من «يتدهور بهم الحال» إلي الترجمة هذه الأيام.

بالطبع ينتج عن الفقر اللغوي للمترجم لحظات من عدم التوافق (يستطيع ترجمة المحتوى وتولكنه يفقد أسلوب الكاتب) أو يكون النص سلسًا لكنه يخطئ هدفه (تتمكّن من الأساليب، لكن لم تفهم المحتوى)، والمترجم المتمرس ذو الفهم العميق للنص الأصلي والممسك بناصية لغته جيدًا هو من يؤلف بين المحتوى والأسلوب معًا توليفًا جديدًا وأمينًا للنص الأصلي.

يُدعى المترجم من آنٍ لآخر في حفلات (الإبداع الأدبي) على شرف كاتب كبير، يكون هو من ساهم في صناعة نجاحه بل واسمه نفسه. فهو ممثل إمبرتو إيكو في نيويورك وسلمان رشدي في ألمانيا. ولا يعترف به لملايين القرارات التي يتخذها أثناء الترجمة، لكن لأن الحظ حالفه ليترجم أعمال رشدي أو إيكو. ولو كان قد ترجم لكتَاب أقل شهرة ما كنا سمعنا به من الأساس.

ولذا وجب علينا أن نشيد بدار نشر هارفيل سيكر التي أطلقت جائزة خصيصًا للمترجمين الشباب وهي واحدة من جوائز معدودة تعترف بالمترجم لترجمته قصصًا من اختياره دونًا عن غيرها، وليس لارتباط اسمه باسم مشهور.

يحتاج كل عصر لمترجميه، فبينما يتراكم التراب على الترجمات تظل الأعمال الرفيعة محتفظة بقيمتها. فعندما نقرأ هوميروس بالانجليزية، نسمع صوت ألكسندر بوب أكثر من هوميروس. وعندما نطلع على ترجمة كونستانس جارنت لتولستوي، فنجد صدى إنجلترا أواخر القرن التاسع عشر. ونحن نحتاج لإحياء الأعمال العظيمة، والتعبير عنها بألفاظنا، وهو ما يتطلب عقول جديدة وأصوات يافعة، فالأمر يحتاج لصحوة لتقدير أهمية المترجمين وعندها سنضمن أفضل قراءة.

اترك تعليقاً